فصل: فصل الْحَلِفِ على الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّوْقِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل الْحَلِفِ على الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّوْقِ

وَأَمَّا الْحَلِفُ على الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّوْقِ وَالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَالسُّحُورِ وَالضَّحْوَةِ وَالتَّصَبُّحِ فَلَا بُدَّ من بَيَانِ مَعَانِي هذه الْأَشْيَاءِ فَالْأَكْلُ هو إيصَالُ ما يَحْتَمِلُهُ الْمَضْغُ بِفِيهِ إلَى الْجَوْفِ مُضِغَ أو لم يُمْضَغْ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا وَالشُّرْبُ إيصَالُ ما لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ من الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ مِثْلِ الْمَاءِ وَالنبي صلى الله عليه وسلمذِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ الممخوض ‏[‏والممخوض‏]‏ وَالسَّوِيقِ الْمَمْخُوضِ وَغَيْرِ ذلك فَإِنْ وُجِدَ ذلك يَحْنَثْ وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كان يُسَمَّى ذلك أَكْلًا أو شُرْبًا في الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَيَحْنَثُ إذَا عُرِفَ هذا فَنَقُولُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ كَذَا وَلَا يَشْرَبُهُ فَأَدْخَلَهُ في فيه وَمَضَغَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ لم يَحْنَثْ حتى يُدْخِلَهُ في جَوْفِهِ لِأَنَّهُ بِدُونِ ذلك لَا يَكُونُ أَكْلًا وَشُرْبًا بَلْ يَكُونُ ذَوْقًا لِمَا نَذْكُرُ مَعْنَى الذَّوْقِ إنْ شَاءَ تَعَالَى في مَوْضِعِهِ قال هِشَامٌ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عن رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذه الْبَيْضَةَ أو لَا يَأْكُلُ هذه الْجَوْزَةَ فَابْتَلَعَهَا قال قد حَنِثَ لِوُجُودِ حَدِّ الْأَكْلِ وهو ما ذَكَرْنَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أو رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمْضُغُهُ وَيَرْمِي بِثِفَلِهِ ويبلغ ‏[‏ويبلع‏]‏ مَاءَهُ لم يَحْنَثْ في الْأَكْلِ وَلَا في الشُّرْبِ لِأَنَّ ذلك ليس بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ بَلْ هو مَصٌّ وَإِنْ عَصَرَ مَاءَ الْعِنَبِ فلم يَشْرَبْهُ وَأَكَلَ قِشْرَهُ وَحِصْرِمَهُ فإنه يَحْنَثُ لِأَنَّ الذَّاهِبَ ليس إلَّا الْمَاءَ وَذَهَابُ الْمَاءِ لَا يُخْرِجُهُ من أَنْ يَكُونَ أَكْلًا له أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَضَغَهُ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْلًا بابتِلَاعِ الْمَاءِ بَلْ بابتِلَاعِ الْحِصْرِمِ فَدَلَّ أَنَّ أَكْلَ الْعِنَبِ هو أَكْلُ الْقِشْرِ وَالْحِصْرِمِ منه وقد وُجِدَ فَيَحْنَثُ‏.‏

وقال هِشَامٌ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا فَأَخَذَ سُكَّرَةً فَجَعَلَهَا في فيه فَجَعَلَ يَبْلَعُ مَاءَهَا حتى ذَابَتْ قال لم يَأْكُلْ لِأَنَّهُ حين أَوْصَلَهَا إلَى فيه وَصَلَتْ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْمَضْغَ وَكَذَا روى عن أبي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُمَّانًا فَمَصَّ رُمَّانَةً أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذا اللَّبَنَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ أو تَمْرٍ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذا الْخَلَّ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ أَكْلَ اللَّبَنِ هَكَذَا يَكُونُ وَكَذَلِكَ الْخَلُّ لِأَنَّهُ من جُمْلَةِ الْإِدَامِ فَيَكُونُ أَكْلُهُ بِالْخُبْزِ كَاللَّبَنِ فَإِنْ أَكَلَ ذلك بِانْفِرَادِهِ لَا يَحْنَثْ لِأَنَّ ذلك شُرْبٌ وَلَيْسَ بِأَكْلٍ فَإِنْ صَبَّ على ذلك الْمَاءَ ثُمَّ شَرِبَهُ لم يَحْنَثْ في قَوْلِهِ لَا آكُلُ لِعَدَمِ الْأَكْلِ وَيَحْنَثُ في قَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ لِوُجُودِ الشُّرْبِ وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذا الْخُبْزَ فَجَفَّفَهُ ثُمَّ دَقَّهُ وَصَبَّ عليه الْمَاءَ فَشَرِبَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هذا شُرْبٌ لَا أَكْلٌ فَإِنْ أَكَلَهُ مَبْلُولًا أو غير مَبْلُولٍ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْخُبْزَ هَكَذَا يُؤْكَلُ عَادَةً وَكَذَلِكَ السَّوِيقُ إذَا شَرِبَهُ بِالْمَاءِ فَهُوَ شَارِبٌ وَلَيْسَ بأكل‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فإن ذلك يَقَعُ على الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ سِوَى التَّمْرِ وَنَحْوِ ذلك وَيَقَعُ على ما يُؤْكَلُ على سَبِيلِ الْإِدَامِ مع الْخُبْزِ لِأَنَّ الطَّعَامَ في اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ إلَّا أَنَّهُ في الْعُرْفِ اخْتَصَّ بِمَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ أو مع غَيْرِهِ عَادَةً وَلَا يَقَعُ على الْهَلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا وَإِنْ كان ذلك مَطْعُومًا في نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَعَامِ فُلَانٍ فَأَخَذَ من خَلِّهِ أو زَيْتِهِ أو كَامَخِهِ أو مِلْحِهِ فأكله ‏[‏فأكل‏]‏ بِطَعَامِ نَفْسِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قد جَرَتْ بِأَكْلِ هذه الْأَشْيَاءِ مع الْخُبْزِ إدَامًا له قال النبي صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ فَكَانَ طَعَامًا عُرْفًا فَيَحْنَثُ فَإِنْ أَخَذَ من نَبِيذِ فُلَانٍ أو مَائِهِ فَأَكَلَ بِهِ خُبْزًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مع الْخُبْزِ عَادَةً فَلَا يُسَمَّى طَعَامًا وَكَذَا قال أبو يُوسُفَ الْخَلُّ طَعَامٌ وَالنبي صلى الله عليه وسلمذُ وَالْمَاءُ شَرَابٌ وقال مُحَمَّدٌ الْخَلُّ وَالْمِلْحُ طَعَامٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَلَّ وَالْمِلْحَ مِمَّا يُؤْكَلُ مع غَيْرِهِ عَادَةً وَالنبي صلى الله عليه وسلمذُ وَالْمَاءُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فإنه يَقَعُ على الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا وكان يَنْبَغِي في الْقِيَاسِ أَنْ يَقَعَ على جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ كما في الْيَمِينِ على الْأَكْلِ إلَّا أَنَّ في الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ على الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْبَائِعِ وَبَائِعُ الْحِنْطَةِ يُسَمَّى بَائِعَ الطَّعَامِ في الْعُرْفِ وَالْأَكْلُ يَتِمُّ بِنَفْسِهِ فَيُعْتَبَرُ نَفْسُ الْأَكْلِ دُونَ غَيْرِهِ وَصَارَ هذا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي حَدِيدًا فَاشْتَرَى سَيْفًا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ بَائِعَهُ لَا يُسَمَّى حَدَّادًا‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ حَدِيدًا فَمَسَّ سَيْفًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَسَّ فِعْلٌ يَتِمُّ بِنَفْسِهِ وَعَلَى هذا باب الزِّيَادَاتِ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ فيم ‏[‏فيمن‏]‏ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَاضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَ منها لم يَحْنَثْ وقال الْكَرْخِيُّ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن مُحَمَّدٍ وَرَوَى ابن رُسْتُمَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَيْتَةَ في حَالِ الْمَخْمَصَةِ طَعَامٌ مُبَاحٌ في حَقِّ الْمُضْطَرِّ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ في غَيْرِ هذه الْحَالَةِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَحْنَثُ‏.‏ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن مُحَمَّدٍ إن إطْلَاقَ اسْمِ الطَّعَامِ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَعَامًا عُرْفًا وَعَادَةً لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً ومبني الإيمان على مَعَانِي كَلَامِ الناس وروى عن أبي يُوسُفَ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَهَا قال لَا يَحْنَثُ وروى عنه أَنَّهُ حَانِثٌ في يَمِينِهِ واثمه مَوْضُوعٌ وَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةٌ وَالرُّخْصَةُ أَثَرُهَا في تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وهو الْمُؤَاخَذَةُ لَا في تَغْيِيرِ وَصْفِ الْفِعْلِ وهو الْحُرْمَةُ كَالْمُكْرَهِ على أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ‏.‏

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْمَيْتَةَ حَالَ الْمَخْمَصَةِ مُبَاحَةٌ مُطْلَقًا لَا حَظْرَ فيها بِوَجْهٍ في حَقِّ الْمُضْطَرِّ وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ في تَغْيِيرِ الْحُكْمِ وَالْوَصْفِ جميعا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو امْتَنَعَ حتى مَاتَ يُؤَاخَذُ بِهِ وَلَوْ بَقِيَتْ الْحُرْمَةُ لم تَثْبُتْ الْمُؤَاخَذَةُ كما لو امْتَنَعَ من تَنَاوُلِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ أو الْإِكْرَاهِ قال خَلَفُ بن أَيُّوبَ سَأَلْتُ أَسَدَ بن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَأَكَلَ لَحْمَ قِرْدٍ أو كَلْبٍ أو حِدَأَةٍ أو غُرَابٍ قال لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ ذلك فَيَحْنَثَ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْحَرَامِ هو ما تَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحُرْمَةُ هذه الْأَشْيَاءِ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ وقال خَلَفُ بن أَيُّوبَ سَأَلْت الْحَسَنَ فقال هذا كُلُّهُ حَرَامٌ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ فيها وَإِنْ لم يَكُنْ مَقْطُوعًا بِهِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عن أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَرَامًا قال هذا على الزِّنَا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وهو الزِّنَا وَلِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الزِّنَا في الْعُرْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وقال مُحَمَّدٌ فَإِنْ كان الْحَالِفُ خَصِيًّا أو مَجْبُوبًا فَهُوَ على الْقُبْلَةِ الْحَرَامِ وما أَشْبَهَهَا‏.‏

وقال ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ امْرَأَةً وطأ حَرَامًا فوطىء ‏[‏فوطئ‏]‏ امْرَأَتَهُ وقد ظَاهَرَ منها أو وَهِيَ حَائِضٌ قال لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذلك لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِعَارِضِ الْحَيْضِ وَالظِّهَارِ وَمُطْلَقُ التَّحْرِيمِ لَا يَقَعُ على التَّحْرِيمِ الْعَارِضِ وقال ابن رُسْتُمَ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ غَصَبَهُ من إنْسَانٍ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْحَرَامِ إنَّمَا يَقَعُ على ما كانت حُرْمَتُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةُ هذا لِحَقِّ الْعَبْدِ وَلَوْ غَصَبَ خُبْزًا أو لَحْمًا فَأَكَلَهُ يَحْنَثُ بِعُرْفِ الناس وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَأَكَلَ من طَعَامٍ اشْتَرَاهُ مع آخَرَ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شِرَاءَهُ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَعَامٍ مَلَكَهُ فُلَانٌ لِأَنَّ بَعْضَ الطَّعَامِ طَعَامٌ حَقِيقَةً وَيُسَمَّى طَعَامًا عُرْفًا أَيْضًا بِخِلَافِ ما إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ بَعْضَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ أو يَشْتَرِيهِ فُلَانٌ فَلَبِسَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ فُلَانٌ مع آخَرَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى ثَوْبًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا فَالْإِدَامُ كُلُّ ما يصطبغ ‏[‏يضطبع‏]‏ بِهِ مع الْخُبْزِ عَادَةً كَاللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَالْمَرَقِ وَالْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِ ذلك وما لَا يصطبغ ‏[‏يضطبع‏]‏ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ مِثْلُ اللَّحْمِ والشوي وَالْجُبْنِ وَالْبِيضِ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أبي يُوسُفَ‏.‏

وقال مُحَمَّدٌ وهو أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عن أبي يُوسُفَ أن كُلَّ ما يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ فَهُوَ إدَامٌ مِثْلُ اللَّحْمِ والشواء ‏[‏والشوى‏]‏ وَالْبَيْضِ وَالْجُبْنِ وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ إدَامٌ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ بِمَا روى عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اللَّحْمُ وَسَيِّدُ رَيَاحِينِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْفَاغِيَةُ وَهِيَ وَرْدُ الْحِنَّاءِ وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ الأدام من الِائْتِدَامِ وهو الْمُوَافَقَةُ قال النبي صلى الله عليه وسلم لِمُغِيرَةَ حين أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لو نَظَرْتَ إلَيْهَا لَكَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا أَيْ يَكُونَ بَيْنَكُمَا الْمُوَافَقَةُ وَمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ بين الْخُبْزِ وَبَيْنَ هذه الْأَشْيَاءِ في الْأَكْلِ ظَاهِرٌ فَكَانَتْ إدَامًا وَلِأَنَّ الناس يَأْتَدِمُونَ بها عُرْفًا وَعَادَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَعْنَى الْإِدَامِ وهو الْمُوَافَقَةُ على الْإِطْلَاقِ وَالْكَمَالُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا بَلْ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَادَةً وَأَمَّا ما يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا فَلَا يَتَحَقَّقُ فيه مَعْنَى الْمُوَافَقَةِ وما لَا يصطبغ ‏[‏يضطبع‏]‏ يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ فَيَخْتَلُّ مَعْنَى الْإِدَامِ فيه وَاللَّحْمُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ عَادَةً مع ما إن من سُكَّانِ الْبَرَارِيِّ من لَا يَتَغَذَّى إلَّا بِاللَّحْمِ‏.‏

وَبِهِ تَبَيَّنَّ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْإِدَامِ عليه في الحديث على طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْبِطِّيخُ ليس بِإِدَامٍ في قَوْلِهِمْ جميعا لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الِاضْطِبَاعُ بِهِ وَلَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ عَادَةً وَكَذَا الْبَقْلُ ليس بِإِدَامٍ في قَوْلِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ آكِلَهُ لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عن رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا مَأْدُومًا فقال الْخُبْزُ الْمَأْدُومُ الذي يُثْرَدُ ثَرْدًا يَعْنِي في الْمَرَقِ وَالْخَلِّ وما أَشْبَهَهُ فَقِيلَ له فَإِنْ ثَرَدَهُ في مَاءٍ أو مِلْحٍ فلم يَرَ ذلك مَأْدُومًا لِأَنَّ من أَكَلَ خُبْزًا بِمَاءٍ لَا يُسَمَّى مُؤْتَدِمًا في الْعُرْفِ وقال ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ إنَّ تَسْمِيَةَ هذه الْأَشْيَاءِ على ما يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ في كَلَامِهِمْ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَلَا نِيَّةَ له فَهُوَ على خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ إلَّا إنْ كان الْحَالِفُ في بَلَدٍ لَا يأكل ‏[‏يؤكل‏]‏ فيها إلَّا خُبْزُ الْحِنْطَةِ فإن يَمِينَهُ تَقَعُ على خُبْزِ الْحِنْطَةِ لَا غَيْر وَإِنْ أَكَلَ من خُبْزِ لوذينج ‏[‏لوزينج‏]‏ وَأَشْبَاهِ ذلك لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَاهُ وَإِنْ أَكَلَ من خُبْزِ الذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ فَإِنْ كان من أَهْلِ بِلَادٍ ذلك طَعَامُهُمْ حَنِثَ وَإِنْ كان من أَهْلِ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا يَأْكُلُ ذلك عَامَّتُهُمْ لَا يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذلك لِأَنَّ اسْمَ الْخُبْزِ يَقَعُ على خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يُرَادُ بِهِ خُبْزُ الْقَطَائِفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يُحْمَلُ عليه وَكَذَا خُبْزُ الْأَرُزِّ في الْبِلَادِ التي لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ فيها‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَيُّ لَحْمٍ أَكَلَ من سَائِرِ الْحَيَوَانِ غير السَّمَكِ يَحْنَثُ ثُمَّ يستوي فيه الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُ الْمُحَرَّمِ وَالْمَطْبُوخُ وَالْمَشْوِيُّ وَالضَّعِيفُ لِأَنَّ اللَّحْمَ اسْمٌ لِأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الذي يَعِيشُ في الْبَرِّ فَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَ لَحْمَ مَيْتَةٍ أو خِنْزِيرٍ أو إنْسَانٍ أو لَحْمَ شَاةٍ تَرَكَ ذَابِحُهَا التَّسْمِيَةَ على ذَبْحِهَا عَمْدًا أو أَكَلَ ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ أو مُرْتَدٍّ أو لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَيَسْتَوِي فيه لَحْمُ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل لَحْمًا في الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَحْمًا طَرِيًّا‏}‏ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اسْمُ اللَّحْمِ فإن الرَّجُلَ يقول ما أَكَلْت اللَّحْمَ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا وَإِنْ كان قد أَكَلَ سَمَكًا أَلَا تَرَى أَنَّ من حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل دَابَّةً بِقَوْلِهِ عز وجل إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَا لو حَلَفَ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا فَخَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لم يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْتًا في كتابهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لو كَانُوا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَسْكُنُ الْمَاءَ فَهُوَ مِثْلُ السَّمَكِ وَلَوْ أَكَلَ أَحْشَاءَ الْبَطْنِ مِثْلَ الْكَرِشِ وَالْكَبِدِ وَالْفُؤَادِ وَالْكُلَى وَالرِّئَةِ وَالْأَمْعَاءِ وَالطِّحَالِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ في هذا كُلِّهِ إلَّا في شَحْمِ الْبَطْنِ وَهَذَا الْجَوَابُ على عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ في زَمَنِ أبي حَنِيفَةَ وفي الْمَوْضِعِ الذي يُبَاعُ مع اللَّحْمِ وَأَمَّا في الْبِلَادِ التي لَا يُبَاعُ مع اللَّحْمِ أَيْضًا فلايحنث بِهِ فَأَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَلَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا يُتَّخَذُ منه ما يُتَّخَذُ من اللَّحْمِ وَلَا يُبَاعُ مع اللَّحْمِ أَيْضًا فَإِنْ نَوَاهُ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ شَدَّدَ على نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الإلية لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ فَإِنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ أو ما هو على اللَّحْمِ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَحْمٌ لَكِنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لَحْمٌ سَمِينٌ وَكَذَا يُتَّخَذُ منه ما يُتَّخَذُ من اللَّحْمِ وَكَذَلِكَ لو أَكَلَ رؤوس الْحَيَوَانَاتِ ما خَلَا السَّمَكَ يَحْنَثُ لِأَنَّ الرَّأْسَ عُضْوٌ من أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ فَكَانَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ ما إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا إنه لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مُشْتَرِيَهُ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيَ لَحْمٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اشْتَرَى رَأْسًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَاشْتَرَى شَحْمَ الظَّهْرِ لم يَحْنَثْ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَذَكَرَ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا فَأَيَّ شَحْمٍ اشْتَرَى لم يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ شَحْمَ الْبَطْنِ وَكَذَا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عليهم شُحُومَهُمَا إلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا‏}‏ وَالْمُسْتَثْنَى من جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى منه فَدَلَّ أَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ شَحْمٌ حَقِيقَةً‏.‏

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا عُرْفًا وَعَادَةً بَلْ يُسَمَّى لَحْمًا سَمِينًا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّحْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ شَحْمًا لَا يَدُلُّ على دُخُولِهِ تَحْتَ الْيَمِينِ إذَا لم يَكُنْ الِاسْمُ مُتَعَارَفًا لِأَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ الناس يَنْصَرِفُ إلَى ما يَتَعَارَفُونَهُ كما ضَرَبْنَا من الْأَمْثِلَةِ في لَحْمِ السَّمَكِ وقال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا‏}‏ وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏الْأَرْضَ بِسَاطًا‏}‏ ثُمَّ لَا يَدْخُلَانِ في الْيَمِينِ على الْبِسَاطِ وَالسِّرَاجِ كَذَا هذا وقد قالوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَحْمًا وَلَا لَحْمًا فَاشْتَرَى إلية أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَحْمٍ وَلَا لَحْمٍ

وقال عَمْرٌو عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ له شَحْمًا فَاشْتَرَى شَحْمَ الظَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ على الْأَمْرِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الشَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُ شَحْمَ الظَّهْرِ كما قَالَهُ أبو حَنِيفَةَ فَيَكُونُ حُجَّةً على مُحَمَّدٍ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ له لَحْمَ دَجَاجٍ فَأَكَلَ لَحْمَ دِيكٍ حَنِثَ لِأَنَّ الدَّجَاجَ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالذَّكَرِ جميعا قال جَرِيرٌ لَمَّا مَرَرْت بِدَيْرِ الْهِنْدِ أَرَّقَنِي صَوْتُ الدَّجَاجِ وَضَرْبٌ بِالنَّوَاقِيسِ فَأَمَّا الدَّجَاجَةُ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالدِّيكُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَاسْمُ الْإِبِلِ يَقَعُ على الذُّكُورِ والأناث قال النبي صلى الله عليه وسلم في خَمْسٍ من الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ ولم يُرِدْ بِهِ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ خَاصَّةً وَكَذَا اسْمُ الْجَمَلِ وَالْبَعِيرِ وَالْجَزُورِ وَكَذَا هذه الْأَسَامِي الْأَرْبَعَةُ تَقَعُ على الْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ وَغَيْرِ ذلك من أَنْوَاعِ الْإِبِلِ وَاسْمُ الْبُخْتِيِّ لَا يَقَعُ على الْعَرَبِيِّ وَكَذَا اسْمُ الْعَرَبِيِّ لَا يَقَعُ على الْبُخْتِيِّ وَاسْمُ الْبَقَرِ يَقَعُ على الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قال النبي صلى الله عليه وسلم في ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ وَأَرَادَ بِهِ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ جميعا وَكَذَا اسْمُ الْبَقَرَةِ قال اللَّهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً‏}‏‏.‏

وَقِيلَ إنَّ بَقَرَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ كانت ذَكَرًا وَتَأْنِيثُهَا بِالذِّكْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قالوا اُدْعُ لنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لنا ما هِيَ‏}‏ لِتَأْنِيثِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى كما في قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قالت طَائِفَةٌ‏}‏ وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ من أُمَّةٍ إلَّا خَلَا فيها نَذِيرٌ‏}‏ وَالشَّاةُ تَقَعُ على الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قال النبي صلى الله عليه وسلم في أَرْبَعِينَ شَاةٌ وَالْمُرَادُ منه الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَكَذَا الْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ وَالنَّعْجَةُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالْكَبْشُ لِلذَّكَرِ وَالْفَرَسُ اسْمٌ لِلْعِرَابِ ذَكَرِهَا وَأُنْثَاهَا وَالْبِرْذَوْنُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْعِرَابِ من الطَّحَارِيَّةِ ذَكَرِهَا وَأُنْثَاهَا وَقَالُوا إنَّ الْبِرْذَوْنَ اسْمٌ لِلتُّرْكِيِّ ذَكَرِهِ وَأُنْثَاهُ وَالْخَيْلُ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الْأَفْرَاسَ الْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينَ وَالْحِمَارُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْحِمَارَةُ وَالْأَتَانُ اسْمٌ للأثنى ‏[‏للأنثى‏]‏ وَالْبَغْلُ وَالْبَغْلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمٌ لِلذَّكَرِ والأثنى ‏[‏والأنثى‏]‏‏.‏

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَإِنْ نَوَى الرؤوس كُلَّهَا من السَّمَكِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا فَأَيَّ ذلك أَكَلَ حَنِثَ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَقَعُ على الْكُلِّ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ فَهُوَ على رؤوس الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ خَاصَّةً في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ‏.‏

وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْيَمِينُ الْيَوْمَ على رؤوس الْغَنَمِ خَاصَّةً وَالْأَصْلُ في هذا أَنَّ قَوْلَهُ لَا آكُلُ رَأْسًا فَبِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ رَأْسٍ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ اسْمَ الرَّأْسِ يَقَعُ على رَأْسِ الْعُصْفُورِ وَرَأْسِ الْجَرَادِ وَيُعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ ما أَرَادَ ذلك فَكَانَ ذلك الْمُرَادُ بَعْضَ ما يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ وهو الذي يُكْبَسُ في التَّنُّورِ وَيُبَاعُ في السُّوقِ عَادَةً فكان أبو ‏[‏أبا‏]‏ حَنِيفَةَ رَأَى أَهْلَ الْكُوفَةِ يَكْبِسُونَ رؤوس الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَيَبِيعُونَهَا في السُّوقِ فَحُمِلَ الْيَمِينُ على ذلك ثُمَّ رَآهُمْ تَرَكُوا رؤوس الْإِبِلِ وَاقْتَصَرُوا على رؤوس الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَحَمَلَ الْيَمِينَ على ذلك وأبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ دَخَلَا بَغْدَادَ وقد تَرَكَ الناس الْبَقَرَ وَاقْتَصَرُوا على الْغَنَمِ فَحَمَلَا الْيَمِينَ على ذلك فلم يَكُنْ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ في الْحَقِيقَةِ

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَإِنْ نَوَى بَيْضَ كل شَيْءٍ بَيْضَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ فَأَيَّ ذلك أَكَلَ حَنِثَ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ فَهُوَ على بَيْضِ الطَّيْرِ كُلِّهِ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَ بَيْضَ السَّمَكِ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْضِ يَقَعُ على الْكُلِّ فإذا نَوَى فَقَدْ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ الِاسْمُ وإذا لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَيَقَعُ على ماله قِشْرٌ وهو بَيْضُ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ ذلك عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيُحْمَلُ عليه وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا فَالْقِيَاسُ يَنْصَرِفُ إلَى كل ما يُطْبَخُ من اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ طَبِيخٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ صُرِفَ إلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً وهو اللَّحْمُ الذي يُجْعَلُ في الْمَاءِ وَيُطْبَخُ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ لِلْعُرْفِ‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ أَكَلَ الْبَاقِلَاءَ أنه أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ كان طَبِيخًا حَقِيقَةً وَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا مَطْبُوخًا لَا يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا في الْعُرْفِ فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا من اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ على ما نَوَى لِأَنَّهُ طَبِيخٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ تَشْدِيدٌ على نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً وهو يَنْوِي كُلَّ شَيْءٍ يُشْوَى فَأَيَّ ذلك أَكَلَ حنث ‏[‏الحنث‏]‏ وَإِنْ لم يَكُنْ له نِيَّةٌ فَإِنَّمَا يَقَعُ على اللَّحْمِ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشِّوَاءِ هِيَ ما يُشْوَى بِالنَّارِ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ دُونَ غَيْرِهِ لِلْعُرْفِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ لم يَأْكُلْ الشِّوَاءَ وَإِنْ أَكَلَ الْبَاذِنْجَانَ الْمَشْوِيَّ وَالْجَزَرَ الْمَشْوِيَّ وَيُسَمَّى بَائِعُ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ شَاوِيًا فَإِنْ أَكَلَ سَمَكًا مَشْوِيًّا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ ذلك عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ أَكَلَ قَلِيَّةً يَابِسَةً أو لَوْنًا من الْأَلْوَانِ لَا مَرَقَ فيه لَا يَحْنَثْ لِأَنَّ هذا لَا يُسَمَّى طَبِيخًا وَإِنَّمَا يُقَالُ له لَحْمٌ مَقْلِيٌّ وَلَا يُقَالُ مَطْبُوخٌ إلَّا لِلَحْمٍ طُبِخَ في الْمَاءِ فَإِنْ طَبَخَ من اللَّحْمِ طَبِيخًا له مَرَقٌ فَأَكَلَ من لَحْمِهِ أو من مَرَقِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَكَلَ الطَّبِيخَ وَإِنْ لم يَأْكُلْ لَحْمَهُ لِأَنَّ الْمَرَقَ فيه أَجْزَاءُ اللَّحْمِ قال ابن سِمَاعَةَ في الْيَمِينِ على الطَّبِيخِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ على الشَّحْمِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قد يُسَمَّى طَبِيخًا في الْعَادَةِ فَإِنْ طَبَخَ عَدَسًا بِوَدِكٍ فَهُوَ طَبِيخٌ وَكَذَلِكَ إنْ طَبَخَهُ بِشَحْمٍ أو إلية فَإِنْ طَبَخَهُ بِسَمْنٍ أو زَيْتٍ لم يَكُنْ طَبِيخًا وَلَا يَكُونُ الْأَرُزُّ طَبِيخًا وَلَا يَكُونُ الطَّبَاهِجُ طَبِيخًا وَلَا الْجَوَاذِبُ طَبِيخًا وَالِاعْتِمَادُ فيه على الْعُرْفِ‏.‏

وقال دَاوُد بن رَشِيدٍ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَبِيخِ امْرَأَتِهِ فَسَخَّنَتْ له قِدْرًا قد طَبَخَهَا غَيْرُهَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الطَّبِيخَ فَعِيلٌ من طَبَخَ وهو الْفِعْلُ الذي يَسْهُلُ بِهِ أَكْلُ اللَّحْمِ وَذَلِكَ وُجِدَ من الْأَوَّلِ لا منها وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحُلْوُ فَالْأَصْلُ في هذا أَنَّ الْحُلْوَ عِنْدَهُمْ كُلُّ حُلْوٍ ليس من جِنْسِهِ حَامِضٌ وما كان من جِنْسِهِ حَامِضٌ فَلَيْسَ بِحُلْوٍ وَالْمَرْجِعُ فيه إلَى الْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِأَكَلِ الْخَبِيصِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالنَّاطِفِ وَالرَّبِّ وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَأَشْبَاهِ ذلك وَكَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ إذَا أَكَلَ تِينًا رَطْبًا أو يَابِسًا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ ليس من جِنْسِهَا حَامِضٌ فَخَلَصَ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فيه وَلَوْ أَكَلَ عِنَبًا حُلْوًا أو بِطِّيخًا حُلْوًا أو رُمَّانًا حُلْوًا أو اجاصا حُلْوًا لم يَحْنَث لِأَنَّ من جِنْسِهِ ما ليس بِحُلْوٍ فلم يَخْلُصْ مَعْنَى الْحَلَاوَةِ فيه وَكَذَا الزَّبِيبُ ليس من الْحُلْوِ لِأَنَّ من جِنْسِهِ ما هو حَامِضٌ وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً فَهُوَ مِثْلُ الْحَلْوَى وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا وَلَا نِيَّةَ له فَأَكَلَ قَضْبًا لَا يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ إاذ أَكْل بُسْرًا مَطْبُوخًا أو رُطَبًا لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى تَمْرًا في الْعُرْفِ وَلِهَذَا يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ على حِدَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذلك لِأَنَّهُ تَمْرٌ حَقِيقَةً وقد شَدَّدَ على نَفْسِهِ وَلَوْ أَكَلَ حَيْسًا حَنِثَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِتَمْرٍ يُنْقَعُ في اللَّبَنِ وَيَتَشَرَّبُ فيه اللَّبَنُ فَكَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا له لِبَقَاءِ عَيْنِهِ وَقِيلَ هو طَعَامٌ يُتَّخَذُ من تَمْرٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ من السَّمْنِ أو غَيْرِهِ وَالْغَالِبُ هو التَّمْرُ فكان أَجْزَاءَ التَّمْرِ بِحَالِهَا فَيَبْقَى الِاسْمُ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ بُسْرًا مُذَنِّبًا هَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ ثِنْتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَثِنْتَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا أَمَّا الْأُولَيَانِ فإن من يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا مُذَنِّبًا أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ رُطَبًا فيه شَيْءٌ من الْبُسْرِ يَحْنَثْ فِيهِمَا جميعا في قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْمُذَنِّبَ هو الْبُسْرُ الذي ذَنَّبَ أَيْ رَطُبَ ذَنَبُهُ فَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلَّذِي حَلَفَ عليه فَكَانَ الِاسْمُ بَاقِيًا وَأَمَّا الآخريان فإن من يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَيَأْكُلْ بُسْرًا مُذَنِّبًا أو يَحْلِفْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَيَأْكُلُ رُطَبًا فيه شَيْءٌ من الْبُسْرِ قال أبو حَنِيفَةً وَمُحَمَّدٌ يَحْنَثُ وقال أبي ‏[‏أبو‏]‏ يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ

وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ الِاسْمَ لِلْغَالِبِ في الْعُرْفِ وَالْمَغْلُوبُ في حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ وَكَذَا الْمَقْصُودُ في الْأَكْلِ هو الذي له الْغَلَبَةُ وَالْغَلَبَةُ لِلْبُسْرِ في الْأَوَّلِ وفي الثَّانِي لِلرُّطَبِ فَلَا يَحْنَثُ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَكَلَ ما حَلَفَ عليه وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ فَصَارَ كما لو مَيَّزَ أَحَدَهُمَا عن الْآخَرِ فَقَطَعَهُ وَأَكَلَهُمَا جميعا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ أَحَدَهُمَا غَالِبٌ فَنَعَمْ لَكِنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُوجِبُ اسْتِهْلَاك الْمَغْلُوبِ في اخْتِلَاط الْمُمَازَجَةِ أَمَّا في اخْتِلَاط الْمُجَاوَرَةِ فَلَا لِأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا فيه كما إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا أو سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا قد لُتَّ بِسَمْنٍ بِحَيْثُ يَسْتَبِينُ أَجْزَاءَ السَّوِيقِ في السَّمْنِ يَحْنَثُ لِقِيَامِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ بِعَيْنِهِ كَذَا هذا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَبًّا فَأَيَّ حَبٍّ أَكَلَ من سِمْسِمٍ أو غَيْرِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ الناس عَادَةً يَحْنَثُ لِأَنَّ مُطْلَقَ يَمِينِهِ يَقَعُ عليه فَإِنْ عَنَى شيئا من ذلك بِعَيْنِهِ أو سَمَّاهُ حَنِثَ فيه ولم يَحْنَثْ في غَيْرِهِ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْمَلْفُوظِ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً لِأَنَّ الْأَوْهَامَ لَا تَنْصَرِفُ إلَى اللُّؤْلُؤَةِ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَبِّ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا فَأَكَلَ زَبِيبًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الْعِنَبِ لَا يَتَنَاوَلَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ جَوْزًا فَأَكَلَ منه رَطْبًا أو يَابِسًا حَنِثَ وَكَذَلِكَ اللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ وَالتِّينُ وَأَشْبَاهُ ذلك لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ جميعا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً فَأَكَلَ تُفَّاحًا أو سَفَرْجَلًا أو كمثري أو خَوْخًا أو تِينًا أو أجاصا أو مِشْمِشًا أو بِطِّيخًا حَنِثَ وَإِنْ أَكَلَ قِثَّاءً أو خِيَارًا أو جَزَرًا لَا يَحْنَثْ وَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا أو رُمَّانًا أو رُطَبًا لَا يَحْنَثْ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثْ وَلَوْ أَكَلَ زَبِيبًا أو حَبَّ الرُّمَّانِ أو تَمْرًا لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ من هذه الْأَشْيَاءِ تُسَمَّى فَاكِهَةً في الْعُرْفِ بَلْ تُعَدُّ من رؤوس الْفَوَاكِهِ وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُتَفَكَّهُ بِهِ وَتَفَكُّهُ الناس بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرٌ فَكَانَتْ فَوَاكِهَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَنْبَتْنَا فيها حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا‏}‏ عَطَفَ الْفَاكِهَةَ على الْعِنَبِ وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ‏}‏ عَطَفَ الرُّمَّانَ على الْفَاكِهَةِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عليه هو الْأَصْلُ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ لِمَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ التَّفَكُّهُ وهو التَّنَعُّمُ وَالتَّلَذُّذُ دُونَ الشِّبَعِ وَالطَّعَامُ ما يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ التَّغَذِّي وَالشِّبَعُ وَالتَّمْرُ عِنْدَهُمْ يُؤْكَلُ بِطَرِيقِ التَّغَذِّي وَالشِّبَعِ حتى رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال بَيْتٌ لَا تَمْرَ فيه جِيَاعٌ أَهْلُهُ وقال عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يوم الْفِطْرِ أَغْنُوهُمْ عن المسئلة ‏[‏المسألة‏]‏ في مِثْلِ هذا الْيَوْمِ ثُمَّ ذَكَرَ في جُمْلَةِ ما تَقَعُ بِهِ الْغُنْيَةُ التَّمْرَ وفي بَعْضِهَا الزَّبِيبَ وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا فما كان رَطْبُهُ فَاكِهَةً كان يَابِسُهُ فَاكِهَةً كَالتِّينِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِ ذلك وَالْيَابِسُ من هذه الْأَشْيَاءِ ليس بِفَاكِهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وهو الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ فَكَذَا رَطْبُهَا وما ذَكَرَاهُ من الْعُرْفِ‏.‏

مَمْنُوعٌ بَلْ الْعُرْفُ الْجَارِي بين الناس أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ليس في كَرْمِ فُلَانٍ فَاكِهَةٌ إنَّمَا فيه الْعِنَبُ فَحَسْبُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَرَ الشَّجَرِ كُلِّهَا فَاكِهَةُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ كَذَلِكَ إلَّا ثَمَرَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَشَجَرِ الرُّمَّانِ لِأَنَّ سَائِرَ الثِّمَارِ من التُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْإِجَّاصِ وَنَحْوِهَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهَا التَّفَكُّهُ دُونَ الشِّبَعِ وَكَذَا يَابِسُهَا فَاكِهَةٌ كَذَا رَطْبُهَا قال مُحَمَّدٌ التُّوتُ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهُ يُتَفَكَّهُ بِهِ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْجَزَرُ وَالْبَاقِلَّاءُ الرَّطْبُ أدام وَلَيْسَ بِفَاكِهَةٍ أَلَا يرى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِلتَّفَكُّهِ وَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ لَا أكل فَاكِهَةً الْعِنَبَ وَالرُّطَبَ وَالرُّمَّانَ فَأَكَلَ من ذلك شيئا حَنِثَ كَذَا ذَكَرَ في الْأَصْلِ لِأَنَّ هذه الْأَشْيَاءَ مِمَّا يُتَفَكَّهُ بها وَإِنْ كان لَا يُطْلَقُ عليها اسْمُ الْفَاكِهَةِ وقال مُحَمَّدٌ بُسْرُ السُّكَّرِ وَالْبُسْرُ الْأَحْمَرُ فَاكِهَةٌ لِأَنَّ ذلك مِمَّا يُتَفَكَّهُ بِهِ وقال أبو يُوسُفَ اللَّوْزُ وَالْعُنَّابُ فَاكِهَةٌ رَطْبُ ذلك من الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ وَيَابِسُهُ من الْيَابِسَةِ لِأَنَّ ذلك يُؤْكَلُ على وَجْهِ التَّفَكُّهِ قال وَالْجَوْزُ رَطْبُهُ فَاكِهَةٌ وَيَابِسُهُ أدام وقال في الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ الْفَاكِهَةُ الْيَابِسَةُ فَيَدْخُلُ فيها الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَأَشْبَاهُهُمَا وَرَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ ليس بِفَاكِهَةٍ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مع الْخُبْزِ غَالِبًا فَأَمَّا رَطْبُهُ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا لِلتَّفَكُّهِ

وَجْهُ ما ذَكَرَ في الْأَصْلِ أَنَّهُ فَاكِهَةٌ ما ذَكَرْنَا أَنَّ رَطْبَهُ وَيَابِسَهُ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ فَصَارَ كَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ‏.‏

وَذَكَرَ الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من الثِّمَارِ شيئا وَلَا نِيَّةَ له إن ذلك على الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَإِنْ أَكْل تِينًا يَابِسًا أو لَوْزًا يَابِسًا حَنِثَ فَجَعَلَ الثِّمَارَ كَالْفَاكِهَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الِاسْمَيْنِ كَالْآخَرِ وقال الْمُعَلَّى قُلْت لِمُحَمَّدٍ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من فَاكِهَةِ الْعَامِ أو من ثِمَارِ الْعَامِ وَلَا نِيَّةَ له قال إنْ حَلَفَ في أَيَّامِ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فَهَذَا على الرَّطْبِ فَإِنْ أَكَلَ من فَاكِهَةِ ذلك الْعَامِ شيئا يَابِسًا لم يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ وَإِنْ حَلَفَ في غَيْرِ وَقْتِ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ كانت يَمِينُهُ على الْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ من فَاكِهَةِ ذلك الْعَامِ وكان يَنْبَغِي في الْقِيَاسِ إنْ كان وَقْتُ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ أَنْ يَحْنَثَ في الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاكِهَةِ يتناولهما ‏[‏يتناولها‏]‏ إلَّا أَنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِأَنَّ الْعَادَةَ في قَوْلِهِمْ فَاكِهَةُ الْعَامِ إذَا كان في وَقْتِ الرَّطْبِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الرَّطْبَ دُونَ الْيَابِسِ فإذا مَضَى وَقْتُ الرَّطْبِ فَلَا تَقَعُ الْيَمِينُ إلَّا على الْيَابِسِ فَيُحْمَلُ عليه وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه الْحِنْطَةِ أو لَا يَأْكُلُ هذه الْحِنْطَةَ فَإِنْ عَنَى بها أَنْ لَا يَأْكُلَهَا حَبًّا كما هِيَ فَأَكَلَ من خُبْزِهَا أو من سَوِيقِهَا لم يَحْنَثْ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا قَضَمَهَا وَإِنْ لم تَكُنْ له نِيَّةٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحْنَثْ وَهَلْ يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا أَكَلَ عَيْنَهَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ عنهما ما يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ قال فيه إنَّ الْيَمِينَ تَقَعُ على ما يَصْنَعُ الناس وَذَكَرَ عنهما في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ يَحْنَثُ فإنه قال وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ أَكَلَهَا خُبْزًا حَنِثَ أَيْضًا فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ إذَا قَضَمَهَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا كما يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهَا خُبْزًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمُتَعَارَفَ في إطْلَاقِ أَكْلِ الْحِنْطَةِ أَكْلُ الْمُتَّخَذِ منها وهو الْخُبْزُ لَا أَكْلُ عَيْنِهَا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ من حِنْطَةِ كَذَا أَيْ من خُبْزِهَا وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ يُحْمَلُ على الْمُتَعَارَفِ خُصُوصًا في باب الْأَيْمَانِ وَجْهٌ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ اسْمَ الْحِنْطَةِ لَا يَقَعُ على الْخُبْزِ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا اسْمٌ لِذَاتٍ مَخْصُوصَةٍ مُرَكَّبَةٍ فَيَزُولُ الِاسْمُ بِزَوَالِ التَّرْكِيبِ حَقِيقَةً فَالْحَمْلُ على الْخُبْزِ يَكُونُ حَمْلًا على الْمَجَازِ فَكَانَ صَرْفُ الْكَلَامِ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمَا أن مُطْلَقَ الْكَلَامِ يُحْمَلُ على الْمُتَعَارَفِ فَنَعَمْ لَكِنْ على الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وهو الْمُتَعَارَفُ في الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ كما يقول مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لَا على الْمُتَعَارَفِ من حَيْثُ الْفِعْلُ كما يقول مَشَايِخُ بَلَخ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ الْآدَمِيِّ أو الْخِنْزِيرِ يَحْنَثُ وَإِنْ لم يُتَعَارَفْ أَكْلُهُ لِوُجُودِ التَّعَارُفِ في الِاسْمِ وَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْحِنْطَةِ في مُسَمَّاهَا مُتَعَارَفٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ إلَّا أَنَّهُ يَقِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فيه لَكِنَّ قِلَّةَ الِاسْتِعْمَالِ فيه لِقِلَّةِ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْحَمْلَ على الْمَجَازِ كما في لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ على أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِعْلٌ ثَابِتٌ في الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُطْبَخُ وَتُقْلَى فَتُؤْكَلُ مَطْبُوخًا ومقليا ‏[‏وقليا‏]‏ وَإِنْ لم يَكُنْ في الْكَثْرَةِ مِثْلَ أَكْلِهَا خُبْزًا وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا فَأَكَلَ حِنْطَةً فيها حَبَّاتٌ من شَعِيرٍ حَنِثَ وَلَوْ كان الْيَمِينُ على الشِّرَاءِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ من اشْتَرَى حِنْطَةً فيها حَبَّاتُ شَعِيرٍ يُسَمَّى مُشْتَرِي الْحِنْطَةِ لَا مُشْتَرِي الشَّعِيرِ وَصَرْفُ الْكَلَامِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ في الْجُمْلَةِ أَوْلَى من الصِّرْفِ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كان اسْتِعْمَالُهُ في الْمَجَازِ أَكْثَرَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ شَارَكَتْ الْمَجَازَ في أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْمَجَازُ ما شَارَكَ الْحَقِيقَةَ في الْوَضْعِ رَأْسًا فَكَانَ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذا الدَّقِيقِ فَأَكَلَ من خُبْزِهِ ولم تَكُنْ له نِيَّةٌ حَنِثَ لِأَنَّ الدَّقِيقَ هَكَذَا يُؤْكَلُ عَادَةً وَلَا يُسْتَفُّ إلَّا نَادِرًا وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فلم يَكُنْ له حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَلَهُ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ وهو كلما يُتَّخَذُ منه فَحُمِلَ عليه وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَأْكُلَ الدَّقِيقَ بِعَيْنِهِ لَا يَحْنَثُ بِأَكَلِ ما يُخْبَزُ منه لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذا الْكُفُرَّى شيئا فَصَارَ بُسْرًا أو لَا يَأْكُلُ من هذا الْبُسْرِ شيئا فَصَارَ رُطَبًا أو لَا يَأْكُلُ من هذا الرُّطَبِ شيئا فَصَارَ تَمْرًا أو لَا يَأْكُلُ من هذا الْعِنَبِ شيئا فَصَارَ زَبِيبًا فَأَكَلَهُ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذا اللَّبَنِ شيئا فَأَكَلَ من جُبْنٍ صُنِعَ منه أو مَصْلٍ أو أَقِطٍ أو شِيرَازَ أو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه الْبَيْضَةِ فَصَارَتْ فَرْخًا فَأَكَلَ من فَرْخٍ خَرَجَ منها أو حَلَفَ لَا يَذُوقُ من هذه الْخَمْرِ شيئا فَصَارَتْ خَلًّا لم يَحْنَثْ في جَمِيع ذلك وَالْأَصْلُ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ تَبْقَى بِبَقَاءِ الْعَيْنِ وَتَزُولُ بِزَوَالِهَا وَالصِّفَةُ في الْعَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِأَنَّ الصِّفَةَ لِتَمْيِيزِ الْمَوْصُوفِ من غَيْرِهِ وَالْإِشَارَة تكفي لِلتَّعْرِيفِ فَوَقَعَتْ الْغُنْيَةُ عن ذِكْرِ الصِّفَةِ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِشَارَة فَيَكُونُ تَعْرِيفُهُ بِالْوَصْفِ وإذا عُرِفَ هذا نَقُولُ الْعَيْنُ بُدِّلَتْ في هذه الْمَوَاضِعِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ التي عُقِدَتْ على الْأَوَّلِ وَالْعَيْنُ في الرُّطَبِ وَإِنْ لم تُبَدَّلْ لَكِنْ زَالَ بَعْضُهَا وهو الْمَاءُ بِالْجَفَافِ لِأَنَّ اسْمَ الرُّطَبِ يُسْتَعْمَلُ على الْعَيْنِ وَالْمَاءِ الذي فيها فإذا جَفَّ فَقَدْ زَالَ عنها الْمَاءُ فَصَارَ آكِلًا بَعْضَ الْعَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فَلَا يَحْنَثُ كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ بِخِلَافِ ما إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هذا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ ما صَارَ شَيْخًا أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ وَإِنَّمَا الْفَائِتُ هو الْوَصْفُ لَا بَعْضُ الشَّخْصِ فَيَبْقَى كُلُّ الْمَحْلُوفِ عليه فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الصِّفَاتِ التي في هذه الْأَعْيَانِ مِمَّا تُقْصَدُ بِالْيَمِينِ مَنْعًا وَحَمْلًا كَالرُّطُوبَةِ التي هِيَ في التَّمْرِ وَالْعِنَبِ فإن الْمَرْطُوبَ تَضْرِبُهُ الرُّطُوبَاتُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بها وَالصِّبَا وَالشَّباب مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ بَلْ الذَّاتُ هِيَ التي تُقْصَدُ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِالذَّاتِ دُونَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ كما إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هذا الطَّيْلَسَانِ فَبَاعَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هذا وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من لَحْمِ هذا الْحَوْلِيِّ فَأَكَلَهُ بعد ما صَارَ كَبْشًا أو من لَحْمِ هذا الْجَدْيِ فَأَكَلَهُ بعد ما صَارَ تَيْسًا يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يُجَامِعُ هذه الصَّبِيَّةَ فَجَامَعَهَا بعد ما صَارَتْ امْرَأَةً يَحْنَثُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ نَوَى في الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ ما يَكُونُ من ذلك حَنِثَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ على نَفْسِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه الْحَدِّ حَبَّةً فَأَكَلَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ بِطِّيخًا لَا رِوَايَةَ فيه وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

قال بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَذُوقُ من هذا اللَّبَنِ شيئا أو لَا يَشْرَبُ فَصُبَّ فيه مَاءٌ فَذَاقَهُ أو شَرِبَهُ أَنَّهُ إنْ كان اللَّبَنُ غَالِبًا حَنِثَ لِأَنَّهُ إذَا كان غَالِبًا يُسَمَّى لَبَنًا

وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ على نَبِيذٍ فَصَبَّهُ في خَلٍّ أو على مَاءٍ مِلْحٍ فَصُبَّ على مَاءٍ عَذْبٍ وَالْأَصْلُ في هذا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عليه إذَا اخْتَلَطَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ تُعْتَبَرُ فيه الْغَلَبَةُ بِلَا خِلَافٍ بين أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ غير أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْغَلَبَةَ في اللَّوْنِ أو الطَّعْمِ لَا في الْأَجْزَاءِ فقال إنْ كان الْمَحْلُوفُ عليه يَسْتَبِينُ لَوْنُهُ أو طَعْمُهُ حَنِثَ وَإِنْ كان لَا يَسْتَبِينُ له لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ لَا يَحْنَثْ سَوَاءٌ كانت أجزاؤه ‏[‏أجزاءه‏]‏ أَكْثَرَ أو لم تَكُنْ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ غَلَبَةَ الْأَجْزَاءِ فقال إنْ كانت أَجْزَاءُ الْمَحْلُوفِ عليه غَالِبًا يَحْنَثْ وَإِنْ كانت مَغْلُوبَةً لَا يَحْنَثْ

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أن الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْثَرِ وَالْأَقَلُّ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ إذَا كَانَا بَاقِيَيْنِ كان الِاسْمُ بَاقِيًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لَبَنٌ مَغْشُوشٌ وَخَلٌّ مَغْشُوشٌ وإذا لم يَبْقَ له لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ لَا يبقى الِاسْمُ وَيُقَالُ مَاءٌ فيه لَبَنٌ وَمَاءٌ فيه خَلٌّ فَلَا يَحْنَثُ‏.‏

وقال أبو يُوسُفَ فَإِنْ كان طَعْمُهُمَا وَاحِدًا أو لَوْنُهُمَا وَاحِدًا فَأَشْكَلَ عليه تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ من حَيْثُ الْأَجْزَاءُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَحْلُوفَ عليه هِيَ الْغَالِبَةُ يَحْنَثْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أجزاء ‏[‏الجزاء‏]‏ الْمُخَالِطَ له أَكْثَرُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فيه وَلَا يدري ذلك فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ في حُكْمِ الْحِنْثِ فَلَا يَثْبُتُ مع الشَّكِّ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عِنْدَ احْتِمَالِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ على السَّوَاءِ فَالْقَوْلُ بالوجود ‏[‏بالجود‏]‏ أَوْلَى احْتِيَاطًا لِمَا فيه من بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ وَهَذَا يَسْتَقِيمُ في الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْتَاطُ في إيجَابِهَا فَأَمَّا في الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ ذلك حَقُّ الْعَبْدِ وَحُقُوقُ الْعِبَادِ لَا يَجْرِي فيها الِاحْتِيَاطُ لِلتَّعَارُضِ فَيُعْمَلُ فيها بِالْقِيَاسِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا قد لُتَّ بِسَمْنٍ وَلَا نِيَّةَ له ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ أَنَّ أَجْزَاءَ السَّمْنِ إذَا كانت تَسْتَبِينُ في السَّوِيقِ وَيُوجَدُ طَعْمُهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كان لَا يُوجَدُ طَعْمُهُ وَلَا يُرَى مَكَانُهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهَا إذَا اسْتَبَانَتْ لم تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَأَنَّهُ أَكَلَ السَّمْنَ بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا وإذا لم يَسْتَبِنْ فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا يُعْتَدُّ بها وَرَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ كان السَّمْنُ مُسْتَبِينًا في السَّوِيقِ وكان إذَا عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ حَنِثَ وَإِنْ كان على غَيْرِ ذلك لم يَحْنَثْ وَهَذَا لَا يُوجِبُ اخْتِلَاف الرِّوَايَةِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بين الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كان يَحْنَثُ إذَا عُصِرَ سَالَ السَّمْنُ لم يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا وإذا لم يَسِلْ كان مُسْتَهْلَكًا وإذا اخْتَلَطَ الْمَحْلُوفُ عليه بِجِنْسِهِ كَاللَّبَنِ الْمَحْلُوفِ عليه إذَا اخْتَلَطَ بِلَبَنٍ آخَرَ‏.‏

قال أبو يُوسُفَ هذا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَتُعْتَبَرُ فيه الْغَلَبَةُ وَإِنْ كانت الْغَلَبَةُ لِغَيْرِ الْمَحْلُوفِ عليه لم يَحْنَثْ وقال مُحَمَّدٌ يَحْنَثْ وَإِنْ كان مَغْلُوبًا فَمِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِغَيْرِ جِنْسِهِ وإذا لم يَصِرْ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ وقال الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من هذه الْخَمْرِ فَصَبَّهَا في مَاءٍ فَغَلَبَ على الْخَمْرِ حتى ذَهَبَ لَوْنُهَا وَطَعْمُهَا فَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ فَقَدْ قال مِثْلَ قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَلَوْ حَلَفَ على مَاءٍ من مَاءِ زَمْزَمَ لَا يَشْرَبُ منه شيئا فَصُبَّ عليه مَاءٌ من غَيْرِهِ كَثِيرًا حتى صَارَ مَغْلُوبًا فَشَرِبَهُ يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا من أَصْلِهِ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ وَلَوْ صَبَّهُ في بِئْرٍ أو حَوْضٍ عَظِيمٍ لم يَحْنَثْ قال لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ عُيُونَ الْبِئْرِ تَغُورُ بِمَا صُبَّ فيها وَلَا أَدْرِي لَعَلَّ الْيَسِيرَ من الْمَاءِ الذي صُبَّ في الْحَوْضِ الْعَظِيمِ لم يَخْتَلِطْ بِهِ كُلِّهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هذا الْمَاءَ الْعَذْبَ فَصَبَّهُ في مَاءٍ مَالِحٍ فَغَلَبَ عليه ثُمَّ شَرِبَهُ لم يَحْنَثْ فَجُعِلَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا بِجِنْسِهِ إذَا كان على غَيْرِ صِفَتِهِ قال وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ ضَأْنٍ فَخَلَطَهُ بِلَبَنِ مَعْزٍ فإنه تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ فَكَانَا كَالْجِنْسَيْنِ قال الْكَرْخِيُّ وَلَوْ قال لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هذه الشَّاةِ لِشَاةٍ مَعْزٍ أو ضَأْنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ من لَبَنِ ضَأْنٍ أو مَعْزٍ حَنِثَ إذَا شَرِبَهُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ وَالْغَلَبَةُ وَعَلَّلَ فقال لِأَنَّهُ ليس في يَمِينِهِ ضَأْنٌ وَلَوْ مَعْزٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ على لَبَنٍ وَاخْتِلَاطُهُ بِلَبَنٍ آخَرَ لَا يُخْرِجُهُ من أَنْ يَكُونَ لَبَنًا وَالْيَمِينُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقَعَتْ على لَبَنِ الضَّأْنِ فإذا غَلَبَ عليه لَبَنُ الْمَعْزِ فَقَدْ اُسْتُهْلِكَتْ صِفَتُهُ وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ لِلْفَرْقِ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ فقال وَلَا تُشْبِهُ الشَّاةُ إذَا حَلَفَ عليها بِعَيْنِهَا حَلِفَهُ على لَبَنِ الْمَعْزِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لو قال وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي رُطَبًا فَاشْتَرَى كِبَاسَةَ بُسْرٍ فيها رُطَبَتَانِ أو ثَلَاثٌ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ هذا إنَّمَا هو الْغَالِبُ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي هذه الرُّطَبَةَ لِرُطَبَةٍ في كِبَاسَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْكِبَاسَةَ حَنِثَ‏.‏

وَنَظِيرُ هذا ما ذَكَرَ ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَا أكل ما يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ يَعْنِي ما يَجِيءُ بِهِ من طَعَامٍ أو لَحْمٍ أو غَيْرِهِ ذلك ‏[‏لك‏]‏ مِمَّا يُؤْكَلُ فَدَفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْمَحْلُوفِ عليه لَحْمًا لِيَطْبُخَهُ فَطَبَخَهُ وألقى فيه قِطْعَةً من كَرِشِ بَقَرٍ ثُمَّ طُبِخَ الْقِدْرُ بِهِ فَأَكَلَ الْحَالِفُ من الْمَرَقِ قال مُحَمَّدٌ لَا أُرَاهُ يَحْنَثُ إذَا ألقى فيه من اللَّحْمِ ما لَا يُطْبَخُ وَحْدَهُ وَيُتَّخَذُ منه مَرَقَةٌ لِقِلَّتِهِ وَإِنْ كان مِثْلُ ذلك يُطْبَخُ وَيَكُونُ له مَرَقَةٌ فإنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَمِينَ على اللَّحْمِ الذي يَأْتِي بِهِ فُلَانٌ وَعَلَى مَرَقَتِهِ والمرقة لَا تَكُونُ إلَّا بِدَسَمِ اللَّحْمِ الذي جاء بِهِ فإذا اخْتَلَطَ بِهِ لَحْمٌ لَا يَكُونُ له مَرَقٌ لِقِلَّتِهِ فلم يَأْكُلْ ما جاء بِهِ فُلَانٌ وإذا كان مِمَّا يُفْرَدُ بِالطَّبْخِ وَيَكُونُ له مَرَقٌ وَالْمَرَقُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فلم تُعْتَبَرُ فيه الْغَلَبَةُ وَحَنِثَ وقد قال مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قال لَا آكُلُ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ فُلَانٌ فَجَاءَ فُلَانٌ بِلَحْمٍ فَشَوَاهُ وَجَعَلَ تَحْتَهُ أَرُزًّا لِلْحَالِفِ فَأَكَلَ الْحَالِفُ من جَوَانِبِهِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لو جاء الْمَحْلُوفُ عليه بِحِمِّصٍ فَطَبَخَهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ من مَرَقَتِهِ وَفِيهِ طَعْمُ الْحِمِّصِ حَنِثَ وَكَذَلِكَ لو جاء بِرُطَبٍ فَسَالَ منه رُبٌّ فَأَكَلَ منه أو جاء بِزَيْتُونٍ فَعُصِرَ فَأَكَلَ من زَيْتِهِ حَنِثَ‏.‏

قال ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَا أَكْلُ من ثَمَرَةِ هذا الْبُسْتَانِ وَفِيهِ نَخْلٌ يُحْصَى أو لَا آكُلُ من ثَمَرَةِ هذا النَّخْلِ وَهِيَ عَشَرَةٌ أو ثَلَاثٌ أو لَا آكُلُ من ثَمَرَةِ هَاتَيْنِ النَّخْلَتَيْنِ أو من هَاتَيْنِ الرَّطْبَتَيْنِ أو من هذه الثَّلَاثِ التُّفَّاحَاتِ أو من هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ أو لَا أَشْرَبُ من لَبَنِ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ فَأَكَلَ بَعْضَ ذلك أو شَرِبَ بَعْضَهُ فإنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ من أَكْلِ بَعْضِ الْمَذْكُورِ وَشُرْبِ بَعْضِهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ من لِلتَّبْعِيضِ فإذا أَكَلَ الْبَعْضَ أو شَرِبَ حَنِثَ قال أبو يُوسُفَ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَبَنَ هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ ولم يَقُلْ من فإنه لَا يَحْنَثُ حتى يَشْرَبَ من لَبَنِ كل شَاةٍ لِأَنَّهُ حَلَفَ على شُرْبِ لَبَنِهِمَا فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ لَبَنِ إحْدَاهُمَا وإذا شَرِبَ جزأ من لَبَنِ كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْرَبَ جَمِيعِ لَبَنِ الشَّاةِ فَلَا يَقْصِدُ بيمي ‏[‏بيمينه‏]‏ مَنْعَ نَفْسِهِ عن ذلك فَيَنْعَقِدُ يَمِينُهُ على الْبَعْضِ كما إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ قال وَإِنْ كان لَبَنٌ قد حُلِبَ فقال وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَبَن هَاتَيْنِ الشَّاتَيْنِ لِلَبَنٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كان لَبَنًا يَقْدِرُ على شُرْبِهِ في مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لم يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَإِنْ كان لَبَنًا لَا يَسْتَطِيعُ شُرْبَهُ في مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ وَقَعَتْ على شُرْبِ الْكُلِّ حَقِيقَةً فإذا اسْتَطَاعَ شُرْبَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وإذا لم يَسْتَطِعْ شُرْبَهُ دَفْعَةً يُحْمَلُ على الْجُزْءِ كما في مَاءِ الْبَحْرِ وَعَلَى هذا إذَا قال لَا آكُلُ هذا الطَّعَامَ وهو لَا يَقْدِرُ على أَكْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَنَظِيرُ هذا ما قالوا فِيمَنْ قَبَضَ من رَجُلٍ دَيْنًا عليه فَوَجَدَ فيه دِرْهَمَيْنِ زَائِفَيْنِ فقال وَاَللَّهِ لَا آخُذُ مِنْهُمَا شيئا فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كَلِمَةَ من لِلتَّبْعِيضِ‏.‏

وقال ابن رُسْتُمَ عن مُحَمَّدٍ إذَا قال وَاَللَّهِ لَا آكُلُ لَحْمَ هذا الْخَرُوفِ فَهَذَا على بَعْضِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُ كُلِّهِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَادَةً وَذَكَرَ في الْأَصْلِ فِيمَنْ قال لَا آكُلُ هذه الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا إلَّا حَبَّةً أو حَبَّتَيْنِ حَنِثَ في الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ ذلك الْقَدْرَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فإنه يُقَالُ في الْعُرْفِ لِمَنْ أَكَلَ رُمَّانَةً وَتَرَكَ منها حَبَّةً أو حَبَّتَيْنِ أنه أَكَلَ رُمَّانَةً وَإِنْ تَرَكَ نِصْفِهَا أو ثُلُثَهَا أو تَرَكَ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْرِي في الْعُرْفِ أَنَّهُ يَسْقُطُ من الرُّمَّانَةِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى آكِلًا لِجَمِيعِهَا وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُك لَحْمَ هذا الْخَرُوفِ أو خَابِيَةَ الزَّيْتِ فَبَاعَ بَعْضَهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ هَهُنَا على الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ بَيْعَ الْكُلِّ مُمْكِنٌ وقد قال ابن سِمَاعَةَ فِيمَنْ قال لَا أَشْتَرِي من هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حتى يَشْتَرِيَ مِنْهُمَا وَلَا يُشْبِهُ هذا قَوْلَهُ لَا آكُلُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ لِأَنَّ من لِلتَّبْعِيضِ وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالتَّبْعِيضِ في الْأَكْلِ وَلَا يُمْكِنُ في الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَبَعَّضُ فَيُحْمَلُ على ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ في الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أو لم يُكَلِّمْ بَنِي آدَمَ أَنَّهُ يَقَعُ على الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ على الْكُلِّ فَيُحْمَلُ على بَعْضِ الْجِنْسِ وقد ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ‏.‏

ولو ‏[‏حلف‏]‏ حلفت لَا يَأْكُلُ من كَسْبِ فُلَانٍ فَالْكَسْبُ ما صَارَ لَلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ في الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقَبُولِ في الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْأَخْذِ في الْمُبَاحَاتِ فَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا يَكُونُ كَسْبًا لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ من غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ عليه وقد كَسَبَ شيئا فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَكَلَ الْحَالِفُ منه حَنِثَ لِأَنَّ ما في يَدِ الْوَارِثِ يُسَمَّى كَسْبَ الْمَيِّتِ بِمَعْنَى مَكْسُوبِهِ عُرْفًا فَلَوْ انْتَقَلَ عنه إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ صَارَ لِلثَّانِي بِفِعْلِهِ فَبَطَلَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْأَوَّلِ قال أبو يُوسُفَ وكذلك إذَا قال لَا آكُلُ مِمَّا مَلَكْت أو مِمَّا يُمْلَكُ له أو من مِلْكِكَ فإذا خَرَجَ من مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عليه إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَكَلَ منه الْحَالِفُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ الثَّانِي لم يَبْقَ مِلْكَ الْأَوَّلِ فلم يَبْقَ مُضَافًا إلَيْهِ بِالْمِلْكِ قال وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَى فُلَانٌ أو مِمَّا يَشْتَرِي فَاشْتَرَى الْمَحْلُوفَ لِنَفْسِهِ أو لِغَيْرِهِ فَأَكَلَ منه الْحَالِفُ حَنِثَ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَحْلُوفَ عليه من غَيْرِهِ بِأَمْرِ المشتري له ثُمَّ أَكَلَ منه الْحَالِفُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا طَرَأَ على الشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ الْأُولَى وَتَجَدَّدَتْ إضَافَةٌ أُخْرَى لم تَتَنَاوَلْهَا الْيَمِينُ وَإِنَّمَا كان الشِّرَاءُ لِغَيْرِهِ وَلِنَفْسِهِ سَوَاءً لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرِي فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لَا إلَى المشتري له قال وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من مِيرَاثِ فُلَانٍ شيئا فَمَاتَ فُلَانٌ فَأَكَلَ من مِيرَاثِهِ حَنِثَ فَإِنْ مَاتَ وَارِثُهُ فَأُورِثَ ذلك الْمِيرَاثُ فَأَكَلَ منه الْحَالِفُ لم يَحْنَثْ لِنَسْخِ الْمِيرَاثِ الْأَخِيرِ الْمِيرَاثَ الْأَوَّلَ كَذَا ذَكَرَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إذَا طَرَأَ على الْمِيرَاثِ بَطَلَتْ الْإِضَافَةُ الْأُولَى وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ ما قالوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا زَرَعَ فُلَانٌ فَبَاعَ فُلَانٌ زَرْعَهُ فَأَكَلَهُ الْحَالِفُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي حَنِثَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَذَرَهُ الْمُشْتَرِي وَزَرَعَهُ فَأَكَلَ الْحَالِفُ من هذا الزَّرْعِ فإنه لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِالزَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَعَلَى هذا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَعَامٍ يَصْنَعُهُ فُلَانٌ أو من خُبْزٍ يَخْبِزُهُ فُلَانٌ فَتَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ ثُمَّ أَكَلَ الْحَالِفُ منه فإنه يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُقَالُ هو من خُبْزِ فُلَانٍ وَمِنْ طَبِيخِهِ وَإِنْ بَاعَهُ وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا من نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَ فُلَانٌ ثَوْبًا فَبَاعَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُبْطِلُ الْإِضَافَةَ وَلَوْ كان ثَوْبَ خَزٍّ فَنُقِضَ وَنَسَجَهُ آخَرُ ثُمَّ لَبِسَهُ الْحَالِفُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّسْجَ الثَّانِيَ أَبْطَلَ الْإِضَافَةَ الْأُولَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا مَسَّهُ فُلَانٌ فَمَسَّ فُلَانٌ ثَوْبًا وَتَنَاسَخَتْهُ الْبَاعَةُ فإنه يَحْنَثُ إذَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِالْمَسِّ لَا تُبْطِلُ الْبَيْعَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال لَا أَشْتَرِي ثَوْبًا كان فُلَانٌ مَسَّهُ وقال بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ في رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ من هذه الدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَى بها طَعَامًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ وَإِنْ بَدَّلَهَا بِغَيْرِهَا وَاشْتَرَى مِمَّا أَبْدَلَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ بِعَيْنِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْأَكْلَ وَإِنَّمَا أَكْلُهَا في الْمُتَعَارَفِ أَكْلُ ما يُشْتَرَى بها وَلَمَّا اشْتَرَى بِبَدَلِهَا لم يُوجَدْ أَكْلُ ما اشْتَرَى بها فَلَا يَحْنَثُ‏.‏

وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من ثَمَنِ هذا الْعَبْدِ فَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من مِيرَاثِ أبيه شيئا وَأَبُوهُ حَيٌّ فَمَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَ من مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ فَفِي الْقِيَاسِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ الطَّعَامَ المشتري ليس بِمِيرَاثٍ وفي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَوَارِيثَ هَكَذَا تُؤْكَلُ وَيُسَمَّى ذلك أَكْلَ الْمِيرَاثِ عُرْفًا وَعَادَةً فَإِنْ اشْتَرَى بِالْمِيرَاثِ شيئا فَاشْتَرَى بِذَلِكَ الشَّيْءِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ بِكَسْبِهِ وَلَيْسَ بِمُشْتَرٍ بِمِيرَاثِهِ وقال أبو يُوسُفَ في الْمِيرَاثِ بِعَيْنِهِ إذَا حَلَفَ عليه فَغَيَّرَهُ وَاشْتَرَى بِهِ لم يَحْنَثْ لِمَا قُلْنَا قال فَإِنْ كان قال لَا آكُلُ مِيرَاثًا يَكُونُ لِفُلَانٍ فَكَيْفَ ما غَيَّرَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمُطْلَقَةَ تُعْتَبَرُ فيها الصِّفَةُ الْمُعْتَادَةُ وفي الْعَادَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَا وَرِثَهُ الْإِنْسَانُ أنه مِيرَاثٌ وَإِنْ غَيَّرَهُ‏.‏

وقال الْمُعَلَّى عن أبي يُوسُفَ إذَا حَلَفَ لَا يُطْعِمُ فُلَانًا مِمَّا وَرِثَ من أبيه شيئا فَإِنْ كان وَرِثَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ منه حَنِثَ فَإِنْ اشْتَرَى بِذَلِكَ الطَّعَامِ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ منه لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَقَعَتْ على الطَّعَامِ الْمَوْرُوثِ فإذا بَاعَهُ بِطَعَامٍ آخَرَ فَالثَّانِي ليس بِمَوْرُوثٍ وقد أَمْكَنَ حَمْلُ الْيَمِينِ على الْحَقِيقَةِ فَلَا تُحْمَلُ على الْمَجَازِ وَإِنْ كان وَرِثَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بها طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ منه حَنِثَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ على الْحَقِيقَةِ فَحُمِلَتْ على الْمَجَازِ وقال هِشَامٌ سَمِعْت مُحَمَّدًا يقول في رَجُلٍ معه دَرَاهِمُ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهَا فَاشْتَرَى بها دَنَانِيرَ أو فُلُوسًا ثُمَّ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ أو الْفُلُوسِ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لم يَحْنَثْ فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هذه الدَّرَاهِمَ فَاشْتَرَى بها عَرَضًا ثُمَّ بَاعَ ذلك الْعَرْضَ بِطَعَامٍ فَأَكَلَهُ فإنه لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعَادَةَ في قَوْلِهِ لَا أشترى بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ الِامْتِنَاعُ من إنْفَاقِهَا في الطَّعَامِ وَالنَّفَقَةُ تَارَةً تَكُونُ بِالِابْتِيَاعِ وَتَارَةً بِتَصْرِيفِهَا بِمَا يُنْفَقُ فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ على الْعَادَةِ فَأَمَّا ابْتِيَاعُ الْعُرُوضِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَيْسَ بِنَفَقَةٍ في الطَّعَامِ في الْعَادَةِ فَلَا تُحْمَلُ الْيَمِينُ عليه وَهَذَا خِلَافُ ما حَكَاهُ عن أبي يُوسُفَ‏.‏

وقال ابن رُسْتُمَ فِيمَنْ قال وَاَللَّهِ لَا آكُلُ من طَعَامِك وهو يَبِيعُ الطَّعَامَ فَاشْتَرَى منه فَأَكَلَ حَنِثَ لِأَنَّ مِثْلَ هذه الْيَمِينِ يُرَادُ بها مَنْعُ النَّفْسِ عن الِابْتِيَاعِ قال مُحَمَّدٌ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أكل من طَعَامِك هذا الطَّعَامَ بِعَيْنِهِ فَأَهْدَاهُ له فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ في قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَحْنَثُ في قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ قال لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هذه فَبَاعَهَا فُلَانٌ ثُمَّ دَخَلَهَا وَالْمَسْأَلَةُ تَجِيءُ فِيمَا بَعْدُ إن شاء الله تعالى‏.‏

قال مُحَمَّدٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من طَعَامِهِ فَأَكَلَ من طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا حَنِثَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ من الطَّعَامِ يُسَمَّى طَعَامًا فَقَدْ أَكَلَ من طَعَامِ الْمَحْلُوفِ عليه وقال عَلِيُّ بن الْجَعْدِ وابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ في رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من غَلَّةِ أَرْضِهِ وَلَا نِيَّةَ له فَأَكَلَ من ثَمَنِ الْغَلَّةِ حَنِثَ لِأَنَّ هذا في الْعَادَةِ يُرَادُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ فَإِنْ نَوَى أَكْلَ نَفْسِ ما يَخْرُجُ منه فَأَكَلَ من ثَمَنِهِ دَيَّنْتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ولم أُدَيِّنْهُ في الْقَضَاءِ قال الْقُدُورِيُّ وَهَذَا على أَصْلِهِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَنَوَى الْجِنْسَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ فَأَمَّا على الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ فَيُصَدَّقُ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وقال مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه النَّخْلَةِ شيئا وَأَكَلَ من ثَمَرِهَا أو جُمَّارِهَا أو طَلْعِهَا أو بُسْرِهَا أو الدِّبْسِ الذي يَخْرُجُ من رُطَبِهَا فإنه يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّخْلَةَ لَا يَتَأَتَّى أَكْلُهَا فَحُمِلَتْ الْيَمِينُ على ما يَتَوَلَّدُ منها وَالدِّبْسُ اسْمٌ لِمَا يَسِيلُ من الرُّطَبِ لَا الْمَطْبُوخِ منه

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذا الْكَرْمِ شيئا فَأَكَلَ من عِنَبِهِ أو زَبِيبِهِ أو عَصِيرِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُرَادَ هو الْخَارِجُ من الْكَرْمِ إذْ عَيْنُ الْكَرْمِ لَا تَحْتَمِلُ الْأَكْلَ كما في النَّخْلَةِ بِخِلَافِ ما إذَا نَظَرَ إلَى عِنَبٍ فقال عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ أَكَلَ من هذا الْعِنَبِ فَأَكَلَ من زَبِيبِهِ أو عَصِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعِنَبَ مِمَّا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحَمْلِ على ما يَتَوَلَّدُ منه

وَكَذَلِكَ لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه الشَّاةِ فَأَكَلَ من لَبَنِهَا أو زُبْدِهَا أو سَمْنِهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ الشَّاةَ مَأْكُولَةٌ في نَفْسِهَا فَأَمْكَنَ حَمْلُ الْيَمِينِ على أَجْزَائِهَا فَيُحْمَلُ عليها لَا على ما يَتَوَلَّدُ منها‏.‏

قال مُحَمَّدٌ وَلَوْ أَكَلَ من نَاطِفٍ جُعِلَ من ثَمَرِ النَّخْلَةِ أو نَبِيذٍ نُبِذَ من ثَمَرِهَا لم يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلِمَةَ من لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وقد خَرَجَ هذا مَحْذُوفَ الصِّيغَةِ عن حَالِ الِابْتِدَاءِ فلم يَتَنَاوَلْهُ الْيَمِينُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذا اللَّبَنِ فَأَكَلَ من زُبْدِهِ أو سَمْنِهِ لم يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّبَنَ مَأْكُولٌ بِنَفْسِهِ فَتُحْمَلُ الْيَمِينُ على نَفْسِهِ دُونَ ما يُتَّخَذُ منه وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا الْحَلِفُ على الشُّرْبِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الشُّرْبِ أَنَّهُ إيصَالُ ما لَا يَحْتَمِلُهُ الْمَضْغُ من الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ حتى لو حَلَفَ لَا يَشْرَبُ فَأَكَلَ لَا يَحْنَثُ كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِعْلَانِ مُتَغَايِرَانِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ‏}‏ عَطَفَ الشُّرْبَ على الْأَكْلِ وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عليه وإذا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ وَلَا نِيَّةَ له فَأَيَّ شَرَابٍ شَرِبَ من مَاءٍ أو غَيْرِهِ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنْعَ نَفْسَهُ عن الشُّرْبِ عَامًّا وَسَوَاءٌ شَرِبَ قَلِيلًا أو كَثِيرًا لِأَنَّ بَعْضَ الشَّرَابِ يُسَمَّى شَرَابًا وَكَذَا لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَأَكَلَ شيئا يَسِيرًا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَلِيلَ الطَّعَامِ طَعَامٌ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا فَأَيَّ نَبِيذٍ شَرِبَ حَنِثَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَإِنْ شَرِبَ سَكَرًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السَّكَرَ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا لِأَنَّهُ اسْمٌ لِخَمْرِ التَّمْرِ وهو الذي من مَاءِ التَّمْرِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بالزبذ ‏[‏بالزبد‏]‏ أو لم يَقْذِفْ على الِاخْتِلَافِ وَكَذَا لو شَرِبَ فَضِيخًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا إذْ هو اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ يُصَبُّ فيه الْمَاءُ وَكَذَا لو شَرِبَ عَصِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى نَبِيذًا

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مع فُلَانٍ شَرَابًا فَشَرِبَا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ من شَرَابٍ وَاحِدٍ حَنِثَ وَإِنْ كان الْإِنَاءُ الذي يَشْرَبَانِ فيه مُخْتَلِفًا وَكَذَا لو شَرِبَ الْحَالِفُ من شَرَابٍ وَشَرِبَ الْآخَرُ من شَرَابٍ غَيْرِهِ وقد ضَمَّهُمَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ من الشُّرْبِ مع فُلَانٍ في الْعُرْفِ هوأن يَشْرَبَا في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ اتَّحَدَ الْإِنَاءُ وَالشَّرَابُ أو اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ ضَمَّهُمَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ يُقَالُ شَرِبْنَا مع فُلَانٍ وَشَرِبْنَا مع الْمَلِكِ وَإِنْ كان الْمَلِكُ يَتَفَرَّدُ بِالشُّرْبِ من إنَاءٍ فَإِنْ نَوَى شَرَابًا وَاحِدًا وَمِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من دِجْلَةَ أو من الْفُرَاتِ قال أبو حَنِيفَةَ لَا يَحْنَثُ ما لم يَشْرَبْ منه كَرْعًا وهو أَنْ يَضَعَ فَاهُ عليه فَيَشْرَبَ منه فَإِنْ أَخَذَ الْمَاءَ بيده أو بِإِنَاءٍ لم يَحْنَثْ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَحْنَثُ شَرِبَ كَرْعًا أو بِإِنَاءٍ أو اغْتَرَفَ بيده وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ يُصْرَفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ‏.‏

وَالْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ أَنَّ من رَفَعَ الْمَاءَ من الْفُرَاتِ بيده أو بِشَيْءٍ من الْأَوَانِي أَنَّهُ يُسَمَّى شَارِبًا من الْفُرَاتِ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْكَلَامِ على غَلَبَةِ الْمُتَعَارَفِ وَإِنْ كان مَجَازًا بَعْدَ أَنْ كان مُتَعَارَفًا كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه الشَّجَرَةِ أو من هذا الْقِدْرِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ ذلك إلَى ما يَخْرُجُ من الشَّجَرَةِ من الثَّمَرِ وَإِلَى ما يُطْبَخُ في الْقِدْرِ من الطَّعَامِ كَذَلِكَ هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ على الْحَقِيقَةِ وَحَقِيقَةُ الشُّرْبِ من الْفُرَاتِ هو أَنْ يَكْرَعَ منه كَرْعًا لِأَنَّ كَلِمَةَ من هَهُنَا اُسْتُعْمِلَتْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهَا على التَّبْعِيضِ إذْ الْفُرَاتُ اسْمٌ لِلنَّهْرِ الْمَعْرُوفِ وَالنَّهْرُ اسْمٌ لِمَا بين ضِفَّتَيْ الْوَادِي لَا لِلْمَاءِ الْجَارِي فيه فَكَانَتْ كَلِمَةُ من هَهُنَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ من هذا الْمَكَانِ وَلَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ منه إلَّا وَأَنْ يَضَعَ فَاهُ عليه فَيَشْرَبَ منه وهو تَفْسِيرُ الْكَرْعِ كما لو حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من هذا الْكُوزِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو شَرِبَ من إنَاءٍ أُخِذَ فيه الْمَاءُ من الْفُرَاتِ كان شَارِبًا من ذلك الْإِنَاءِ حَقِيقَةً لَا من الْفُرَاتِ وَالْمَاءُ الْوَاحِدُ لَا يُشْرَبُ من مَكَانَيْنِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لو قال شَرِبْت من الْإِنَاءِ لَا من الْفُرَاتِ كان مُصَدَّقًا وَلَوْ قال على الْقَلْبِ كان مُكَذَّبًا فَدَلَّ أَنَّ الشُّرْبَ من الْفُرَاتِ هو الْكَرْعُ منه وَأَنَّهُ مُمْكِنٌ وَمُسْتَعْمَلٌ في الْجُمْلَةِ‏.‏

وقد رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى قَوْمًا فقال هل عِنْدَكُمْ من مَاءٍ بَاتَ في شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعْنَا وَيَسْتَعْمِلُهُ كَثِيرٌ في زَمَانِنَا من أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ على أَنَّهُ إنْ لم يَكُنْ فِعْلًا مُسْتَعْمَلًا فَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الِاسْمِ مَنْقُولًا عن الْحَقِيقَةِ بَعْدَ أَنْ كان الِاسْمُ مُسْتَعْمَلًا فيه تَسْمِيَةً وَنُطْقًا كما لو حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنه يَحْنَثُ وَإِنْ كان لَا يُؤْكَلُ عَادَةً لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عليه حَقِيقَةً تَسْمِيَةً وَنُطْقًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قِلَّةَ الْحَقِيقَةِ وُجُودًا لَا يَسْلُبُ اسْمَ الْحَقِيقَةِ عن الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ ماإذا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ من هذه الشَّجَرَةِ أو من هذا الْقِدْرِ لِأَنَّ هَهُنَا كما لَا يُمْكِنُ جَعْلُ هذه الْكَلِمَةِ لِتَبْعِيضِ مادخلت عليه بِخُرُوجِ الشَّجَرَةِ وَالْقِدْرِ من أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْأَكْلِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا ابْتِدَاءَيْنِ لِغَايَةِ الْأَكْلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ لَا تحصل ‏[‏يحصل‏]‏ من الْمَكَانِ بَلْ من الْيَدِ لِأَنَّ الْمَأْكُولَ مُسْتَمْسِكٌ في نَفْسِهِ وَالْأَكْلُ عِبَارَةٌ عن الْبَلْعِ عن مَضْغٍ وَلَا يَتَأَتَّى فيه الْمَضْغُ بِنَفْسِهِ فلم يُمْكِنْ جَعْلُهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَأُضْمِرَ فيه ما يَتَأَتَّى فيه الْأَكْلُ وهو الثَّمَرَةُ في الشَّجَرَةِ وَالْمَطْبُوخُ في الْقِدْرِ فَكَانَ من لِلتَّبْعِيضِ وَهَهُنَا أَمْكَنَ جَعْلُهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ يُشْرَبُ من مَكَان لَا مَحَالَةَ لِانْعِدَامِ اسْتِمْسَاكِهِ في نَفْسِهِ إذْ الشُّرْبُ هو الْبَلْعُ من غَيْرِ مَضْغٍ وما يُمْكِنُ ابْتِلَاعُهُ من غَيْرِ مَضْغٍ لَا يَكُونُ له في نَفْسِهِ اسْتِمْسَاكٌ فَلَا بُدَّ من حَامِلٍ له يُشْرَبُ منه وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ شَرِبَ من نَهْرٍ يَأْخُذُ من الْفُرَاتِ لم يَحْنَثْ في قَوْلِهِمْ جميعا أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّ هذا النَّهْرَ ليس بِفُرَاتٍ فَصَارَ كما لو شَرِبَ من آنِيَةٍ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فلأنهما يَعْتَبِرَانِ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ وَمَنْ شَرِبَ من نَهْرٍ يَأْخُذُ من الْفُرَاتِ لَا يُعْرَفُ شَارِبًا من الْفُرَاتِ لِأَنَّ الشُّرْبَ من الْفُرَاتِ عِنْدَهُمَا هو أَخْذُ الْمَاءِ الْمُفْضِي إلَى الشُّرْبِ من الْفُرَاتِ ولم يُوجَدْ هَهُنَا لِأَنَّهُ أَخَذَ من نَهْرٍ لَا يُسَمَّى فُرَاتًا‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءِ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ من نَهْرٍ أَخَذَ الْمَاءَ من الْفُرَاتِ فَإِنْ شَرِبَ منه بِالِاغْتِرَافِ بِالْآنِيَةِ أو بِالِاسْتِقَاءِ بِرَاوِيَةٍ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَرَعَ منه يَحْنَثْ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّهْرَ لَمَّا أَخَذَ الْمَاءَ من الْفُرَاتِ فَقَدْ صَارَ مُضَافًا إلَيْهِ فَانْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْفُرَاتِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أنه مَنْعُ نَفْسِهِ عن شُرْبِ جُزْءٍ من مَاءِ الْفُرَاتِ لِأَنَّ كَلِمَةَ من دَخَلَتْ في الْمَاءِ صِلَةً لِلشُّرْبِ وهو قَابِلٌ لِفِعْلِ الشُّرْبِ فَكَانَتْ لِلتَّجْزِئَةِ وَبِالدُّخُولِ في نَهْرٍ انْشَعَبَ من الْفُرَاتِ لَا تَنْقَطِعُ إلَيْهِ النِّسْبَةُ كما لَا تَنْقَطِعُ بِالِاغْتِرَافِ بِالْآنِيَةِ وَالِاسْتِقَاءِ بالرواية ‏[‏بالراوية‏]‏ أَلَا تَرَى أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ يُنْقَلُ إلَيْنَا وَنَتَبَرَّكُ بِهِ وَنَقُولُ شَرِبْنَا من مَاءِ زَمْزَمَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءِ دِجْلَةَ فَهَذَا وَقَوْلُهُ لَا أَشْرَبُ من دِجْلَةَ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشُّرْبَ من النَّهْرِ فَكَانَ على الِاخْتِلَافِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من نَهْرٍ يَجْرِي ذلك النَّهْرُ إلَى دِجْلَةَ فَأَخَذَ من دِجْلَةَ من ذلك الْمَاءِ فَشَرِبَهُ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قد صَارَ من مَاءِ دِجْلَةَ لِزَوَالِ الْإِضَافَةِ إلَى النَّهْرِ الْأَوَّلِ بِحُصُولِهِ في دِجْلَةَ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من هذا الْجُبِّ فَهُوَ على الِاخْتِلَافِ حتى لو اغْتَرَفَ من مَائِهِ في إنَاءٍ آخَرَ فَشَرِبَ لم يَحْنَثْ حتى يَضَعَ فَاهُ على الْجُبِّ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا من قَسَّمَ الْجَوَابَ في الْجُبِّ فقال إنْ كان مَلْآنَ فَهُوَ على الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَقْصُورَةُ الْوُجُودِ وَإِنْ كان غير مَلْآنَ فَاغْتَرَفَ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْحَقِيقَةِ فَتَنْصَرِفَ يَمِينُهُ إلَى الْمَجَازِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من هذا الْكُوزِ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى الْحَقِيقَةِ إجْمَاعًا لِتَصَوُّرِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لِلْعُرْفِ فَإِنْ نُقِلَ الْمَاءُ من كُوزٍ إلَى كُوزٍ وَشَرِبَ من الثَّانِي لَا يُسَمَّى شَارِبًا من الْكُوزِ الْأَوَّلِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءِ هذا الْجُبِّ فَاغْتَرَفَ منه بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ على مَاءِ ذلك الْجُبِّ وقد شَرِبَ من مَائِهِ فَإِنْ حَوَّلَ مَاءَهُ إلَى جُبٍّ آخَرَ فَشَرِبَ منه فَالْكَلَامُ فيه كَالْكَلَامِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءِ الْفُرَاتِ فَشَرِبَ من نَهْرٍ يَأْخُذُ الْمَاءَ من الْفُرَاتِ وقد مَرَّ‏.‏

وَلَوْ قال لَا أَشْرَبُ من مَاءِ هذا الْجُبِّ فَالْكَلَامُ فيه كَالْكَلَامِ في قَوْلِهِ لَا أَشْرَبُ من مَاءِ دِجْلَةَ وقد ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من هذه الْبِئْرِ أو من مَائِهَا فَاسْتَقَى منها وَشَرِبَ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُتَصَوَّرَةِ الْوُجُودِ فَيُصْرَفُ إلَى الْمَجَازِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءِ الْمَطَرِ فَمُدَّتْ الدِّجْلَةُ من الْمَطَرِ فَشَرِبَ لم يَحْنَثْ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ في الدِّجْلَةِ انْقَطَعَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ فَإِنْ شَرِبَ من مَاءِ وَادٍ سَالَ من الْمَطَرِ لم يَكُنْ فيه مَاءٌ قبل ذلك أو جاء من مَاءِ مَطَرٍ مُسْتَنْقَعٍ في قَاعٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمَّا لم يُضَفْ إلَى نهر ‏[‏النهر‏]‏ بَقِيَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَطَرِ كما كانت‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ من مَاءٍ فُرَاتٍ فَشَرِبَ من مَاءِ دِجْلَةَ أو نَهْرٍ آخَرَ أو بِئْرٍ عَذْبَةٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ من شُرْبِ مَاءٍ عَذْبٍ إذْ الْفُرَاتُ في اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عن الْعَذْبِ قال اللَّهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا‏}‏ وَلَمَّا أَطْلَقَ الْمَاءَ ولم يُضِفْهُ إلَى الْفُرَاتِ فَقَدْ جَعَلَ الْفُرَاتَ نَعْتًا لِلْمَاءِ وقد شَرِبَ من الْمَاءِ الْمَنْعُوتِ فَيَحْنَثُ وفي الْفصل الْأَوَّلِ أَضَافَ الْمَاءَ إلَى الْفُرَاتِ وَعَرَّفَ الْفُرَاتَ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ فَيُصْرَفُ إلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ الْمُسَمَّى بِالْفُرَاتِ وَأَمَّا الْحَلِفُ على الذَّوْقِ فَالذَّوْقُ هو إيصَالُ الْمَذُوقِ إلَى الْفَمِ ابْتَلَعَهُ أو لَا بَعْدَ إن وَجَدَ طَعْمَهُ لِأَنَّهُ من أَحَدِ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعِلْمِ بِالْمَذُوقَاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَاللَّمْسِ لِلْعِلْمِ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْعِلْمُ بِالطَّعْمِ يَحْصُلُ بِحُصُولِ الذَّوْقِ في فَمِهِ سَوَاءٌ ابْتَلَعَهُ أو مَجَّهُ فَكُلُّ أَكْلٍ فيه ذَوْقٌ وَلَيْسَ كُلُّ ذَوْقٍ أَكْلًا إذَا عُرِفَ هذا فَنَقُولُ إذاحلف لَا يَذُوقُ طَعَامًا أو شَرَابًا فَأَدْخَلَهُ في فيه حَنِثَ لِحُصُولِ الذَّوْقِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ وهو ما ذَكَرْنَا‏.‏

فَإِنْ قال أَرَدْت بِقَوْلِي لَا أَذُوقُهُ لَا آكُلُهُ وَلَا أَشْرَبُهُ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَلَا يَدِينُ في الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ قد يُرَادُ بِالذَّوْقِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُقَالُ في الْعُرْفِ ما ذُقْت الْيَوْمَ شيئا وما ذُقْت إلَّا الْمَاءَ وَيُرَادُ بِهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فإذا نَوَى ذلك لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حتى يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ لِأَنَّهُ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَلَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ لِعُدُولِهِ عن الظَّاهِرِ قال هِشَامٌ وَسَأَلْت مُحَمَّدًا عن رَجُلً حَلَفَ لَا يَذُوقُ في مَنْزِلِ فُلَانٍ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فَذَاقَ منه شيئا أَدْخَلَهُ فَاهُ ولم يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ فقال مُحَمَّدٌ هذا على الذَّوْقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَدَّمَ كَلَامٌ قُلْت فَإِنْ كان قال له الْمَحْلُوفُ عليه تَغَدَّ عِنْدِي الْيَوْمَ فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ في مَنْزِلِهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا فقال مُحَمَّدٌ هذا على الْأَكْلِ ليس على الذَّوْقِ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الذَّوْقِ هِيَ اكْتِسَاب سَبَبِ الْعِلْمِ بِالْمَذُوقِ وقد يُسْتَعْمَلُ ذلك في الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ دَلَالَةُ حَالٍ خَرَجَ الْكَلَامُ عليه حُمِلَتْ الْيَمِينُ عليها وَإِلَّا عَمِلْت بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ لِلصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ حَصَلَ له الْعِلْمُ بِطَعْمِ الْمَاءِ لِأَنَّ ذلك لَا يُسَمَّى ذَوْقًا عُرْفًا وَعَادَةً إذْ الْمَقْصُودُ منه التَّطْهِيرُ لَا مَعْرِفَةُ طَعْمِ الْمَذُوقِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا أو لَا يَشْرَبُ شَرَابًا أو لَا يَذُوقُ وَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ أو شَرَابًا دُونَ شَرَابٍ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ في هذا أَنَّ الْحَالِفَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْوِيَ تخصيص ‏[‏تحصيص‏]‏ ما هو مَذْكُورٌ وأما إن نَوَى تَخْصِيصَ ما ليس بِمَذْكُورٍ فَإِنْ نَوَى تَخْصِيصَ ما هو مَذْكُورٌ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظًا عَامًّا وَأَرَادَ بِهِ بَعْضَ ما دخل تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ من حَيْثُ الظَّاهِرُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْعَامِّ على إرَادَةِ الْخَاصِّ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ دَلَالَةً على الْعُمُومِ وَالظَّاهِرُ من اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ دَلَالَةً على الْعُمُومِ في اللُّغَةِ إرَادَةُ الْعُمُومِ فَكَانَ نِيَّةُ الْخُصُوصِ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ نَوَى تَخْصِيصَ ما ليس بِمَذْكُورٍ لَا يُصَدَّقْ في الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل سَوَاءٌ كان التَّخْصِيصُ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ أو إلَى الصِّفَةِ أو إلَى الْحَالِ لِأَنَّ الْخُصُوصَ وَالْعُمُومَ من صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي فَغَيْرُ الْمَلْفُوظِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْمِيمَ وَالتَّخْصِيصَ وَالتَّقْيِيدَ فإذا نَوَى التَّخْصِيصَ فَقَدْ نَوَى ما لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فلم تَصِحَّ نِيَّتُهُ رَأْسًا وإذا عُرِفَ هذا فَتُخَرَّجُ عليه مَسَائِلُ إذَا قال إنْ أَكَلْت طَعَامًا أو شَرِبْت شَرَابًا أو إنْ ذُقْت طَعَامًا أو شَرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ وقال عَنَيْت اللَّحْمَ أو الْخُبْزَ فَأَكَلَ غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ من اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ في مَوْضِعِ الْعُمُومِ كما بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ أَكَلْت طَعَامًا بِمَعْنَى قَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا فَيَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ كُلَّ طَعَامٍ فإذا نَوَى بِهِ بَعْضَ الْأَطْعِمَةِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ نَوَى الْخُصُوصَ في اللَّفْظِ الْعَامِّ وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل‏.‏

وَإِنْ قال إنْ أَكَلْت أو ذُقْت أو شَرِبْت فَعَبْدِي حُرٌّ وهو يَنْوِي طَعَامًا بِعَيْنِهِ أو شَرَابًا بِعَيْنِهِ فَأَكَلَ أو شَرِبَ غَيْرَهُ فإن عَبْدَهُ يَعْتِقُ في الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ من غَيْرِ الْمَذْكُورِ إذْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لَيْسَا بِمَذْكُورَيْنِ بَلْ يَثْبُتَانِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ له وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَيَزْعُمُ أَنَّ لِلْمُقْتَضَى عُمُومًا وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ من صِفَاتِ الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَحْتَمِلُ الصِّفَةَ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يُجْعَلُ مَوْجُودًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ لِصِحَّةِ الْكَلَامِ فيبقى فِيمَا وَرَاءَهُ على حُكْمِ الْعَدَمِ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ الرَّاجِعُ إلَى الصِّفَةِ وَالْحَالِ فَنَحْوُ ما حَكَى بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ هذا الرَّجُلَ وهو قَائِمٌ وَعَنَى بِهِ ما ‏[‏وما‏]‏ دَامَ قَائِمًا لَكِنَّهُ لم يَتَكَلَّمْ بِالْقِيَامِ كانت نِيَّتُهُ بَاطِلَةً وَحَنِثَ إنْ كَلَّمَهُ لِأَنَّ الْحَالَ وَالصِّفَةَ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هذا الْقَائِمَ يعني بِهِ ما دَامَ قَائِمًا وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِوُرُودِ التَّخْصِيصِ على الْمَلْفُوظِ وَكَذَلِكَ إذَا قال وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا خَمْسِينَ وهو يَنْوِي بِسَوْطٍ بِعَيْنِهِ فَبِأَيِّ سَوْطٍ ضَرَبَهُ فَقَدْ خَرَجَ عن يَمِينِهِ وَالنِّيَّةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ آلَةَ الضَّرْبِ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَبَطَلَتْ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَنَظِيرُ هذا ما حَكَى ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ حَلَفَ وقال وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وهو يَنْوِي كُوفِيَّةً أو بَصْرِيَّةً فقال ليس في هذا نِيَّةٌ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَلَا في الْقَضَاءِ‏.‏

وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَعْنِي امْرَأَةً كان أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا وَكَذَا فَهَذَا كُلُّهُ لَا تَجُوزُ فيه النِّيَّةُ وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً يَعْنِي امْرَأَةً عَرَبِيَّةً أو حَبَشِيَّةً قال هذا جَائِزٌ يَدِينُ فِيمَا نَوَاهُ فَقَدْ جَعَلَ قَوْلَهُ عَرَبِيَّةً أو حَبَشِيَّةً بَيَانَ النَّوْعِ وَقَوْلَهُ كُوفِيَّةً أو بَصْرِيَّةً وَصْفًا فَجَوَّزَ تَخْصِيصَ النَّوْعِ ولم يُجَوِّزْ تَخْصِيصَ الْوَصْفِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ وَالْجِنْسُ مَذْكُورٌ وهو قول امْرَأَةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ في مَوْضِعِ النَّفْيِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ في نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ لِاشْتِمَالِ اسْمِ الْجِنْسِ على الْأَنْوَاعِ وقال ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ قال وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً على ظَهْرِ الْأَرْضِ يَنْوِي امْرَأَةً بِعَيْنِهَا قال يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَ جِنْسِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ قال وَلَوْ قال لَا أَشْتَرِي جَارِيَةً وَنَوَى مُوَلَّدَةً فإن نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ ليس بِتَخْصِيصِ نَوْعٍ من جِنْسٍ وَإِنَّمَا هو تَخْصِيصُ صِفَةٍ فَأَشْبَهَ الْكُوفِيَّةَ وَالْبَصْرِيَّةَ‏.‏

وَلَوْ قال وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الطَّعَامَ أو لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ أو لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَيَمِينُهُ على بَعْضِ الْجِنْسِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ صُدِّقَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَأَمَّا الْحَلِفُ على الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَلَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ مَعْنَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَمَعْرِفَةِ وَقْتِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عن أَكْلِ ما يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً فَيُعْتَبَرُ في ذلك الْعَادَةُ في كل بَلَدٍ فما كان غَدَاءً عِنْدَهُمْ حُمِلَتْ الْيَمِينُ عليه وَلِهَذَا قالوا في أَهْلِ الْحَضَرِ إذَا حَلَفُوا على تَرْكِ الْغَدَاءِ فَشَرِبُوا اللَّبَنَ لم يَحْنَثُوا لِأَنَّهُمْ لَا يَتَنَاوَلُونَ ذلك لِلشِّبَعِ عَادَةً‏.‏

وَلَوْ حَلَفَ الْبَدَوِيُّ فَشَرِبَ اللَّبَنَ حَنِثَ لِأَنَّ ذلك غَدَاءٌ في الْبَادِيَةِ وإذا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ غير الْخُبْزِ من أَرُزٍّ أو تَمْرٍ أو غَيْرِهِ حتى شَبِعَ لم يَحْنَثْ ولم يَكُنْ ذلك غَدَاءً وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ لم يَحْنَثْ في قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قال وَقَالَا ليس الْغَدَاءُ في مِثْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ إلَّا على الْخُبْزِ وَالْمَرْجِعُ في هذا إلَى الْعَادَةِ فما كان غَدَاءً معتادا ‏[‏متعادا‏]‏ عِنْدَ الْحَالِفِ حَنِثَ وما لَا فَلَا وَرَوَى هِشَامٌ عن أبي حَنِيفَةَ في أَكْلِ الْهَرِيسَةِ وَالْأَرُزِّ أَنَّهُ يَحْنَثُ وروى عن أبي يُوسُفَ في الْهَرِيسَةِ وَالْفَالُوذَجِ وَالْخَبِيصِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذلك غَدَاءَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ غَدَاءَ كل بَلَدٍ ما تَعَارَفُونَهُ غَدَاءً فَيُعْتَبَرُ عَادَةُ الْحَالِفِ فِيمَا يَحْلِفُ عليه فَإِنْ كان الْحَالِفُ كُوفِيًّا يَقَعُ على خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَا يَقَعُ على اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كان بَدَوِيًّا يَقَعُ على اللَّبَنِ وَالسَّوِيقِ وَإِنْ كان حِجَازِيًّا يَقَعُ على السَّوِيقِ وفي بِلَادِنَا يَقَعُ على خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَنَقُولُ وَقْتُ الْغَدَاءِ من طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ لِأَنَّ الْغَدَاءَ عِبَارَةٌ عن أَكْلِ الْغُدْوَةِ وما بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ غُدْوَةً وَالْعَشَاءُ من وَقْتِ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ من أَكْلِ الْعَشِيَّةِ وَأَوَّلُ أَوْقَاتِ الْعِشَاءِ ما بَعْدَ الزَّوَالِ‏.‏

وقد رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ يُرِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وفي عُرْفِ دِيَارِنَا الْعِشَاءُ ما بَعْدَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَأَمَّا السُّحُورُ فما بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ من السَّحَرِ وهو وَقْتُ السَّحَرِ ولم يُذْكَرْ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وقد رَوَى ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ فِيمَنْ قال لِأَمَتِهِ إنْ لم تتعشي ‏[‏تتعش‏]‏ اللَّيْلَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَكَلَتْ لُقْمَةً وَاحِدَةً لم تَزِدْ عليها فَلَيْسَ هذا بِعَشَاءٍ وَلَا يَحْنَثُ حتى تَأْكُلَ أَكْثَرَ من نِصْفِ شِبَعِهَا لِأَنَّ من أَكَلَ لُقْمَةً يقول في الْعَادَةِ ما تَغَدَّيْت وَلَا تَعَشَّيْت فإذا أَكَلَ أَكْثَرَ أَكْلِهِ يُسَمَّى ذلك غَدَاءً في الْعَادَةِ وَرَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنه غُدْوَةً أَنَّهُ إذَا أَتَاهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَدْ بَرَّ وهو غُدْوَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هذا وَقْتُ الْغَدَاءِ وَلَوْ قال لَيَأْتِيَنه ضَحْوَةً فَهُوَ من بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ من السَّاعَةِ التي تَحِلُّ فيها الصَّلَاةُ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ لِأَنَّ هذا وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى‏.‏

قال مُحَمَّدٌ إذَا حَلَفَ لَا يُصْبِحُ فَالتَّصْبِيحُ عِنْدِي ما بين طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ فإذا ارْتَفَعَ الضُّحَى الْأَكْبَرُ ذَهَبَ وَقْتُ التَّصْبِيحِ لِأَنَّ التَّصْبِيحَ تَفْعِيلٌ من الصباح ‏[‏الصبح‏]‏ وَالتَّفْعِيلُ لِلتَّكْثِيرِ فَيَقْتَضِي زِيَادَةً على ما يُفِيدُهُ الاصباح وَرَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى السَّحَرِ قال إذَا دخل ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَلْيُكَلِّمْهُ لِأَنَّ وَقْتَ السَّحَرِ ما قَرُبَ من الْفَجْرِ‏.‏

قال هِشَامٌ عن مُحَمَّدٍ وَالْمَسَاءُ مساآن ‏[‏مساءان‏]‏ أَحَدُهُمَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كَيْفَ أَمْسَيْت وَالْمَسَاءُ الْأَخِيرُ إذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ فإذا حَلَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَفْعَلُ كَذَا حتى يُمْسِيَ كان ذلك على غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَمِينِ على الْمَسَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحْمَلُ على الثَّانِي وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏